ملخص المقال
من خصائص التاريخ الإسلامي أنه منضبط دقيق، كما أنه مليء بالحيوية والتجدد، وهو أيضًا مليء بالتفاصيل المهمة الرائعة
إن لكل أمة تاريخها التي تعتز به وتدرِّسه للأجيال، وتتناقله الألسن والدواوين، وتهفو إليه القلوب والأفئدة.
وإن أمة الإسلام ليست ببدعٍ من الأمم في هذا الباب، بل تاريخها عظيم وجليل لا يدانيه تاريخ أمة من الأمم الأخرى ولا يضارعه، فهو قد امتاز عن غيره بجملة خصائص وضعته في الصدارة بين تواريخ الأمم، فمن هذه الخصائص الجليلة:
أولاً: تاريخنا موصول بالرسل والأنبياء:
ينبغي أن يعلم أن تاريخ هذه الأمة الإسلامية العظيمة لا يبدأ ببعثة أعظم الرسل محمد r، إنما يبدأ منذ بداية الرسالة والنبوة على هذه الأرض؛ إذ كل الأنبياء والرسل مسلمون جاءوا برسالة خالدة تداولها الأنبياء حتى وصلت إلى سيدهم وعظيمهم محمد r، وقد قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى: 13].
وقال تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133].
وقال تعالى قاصًّا حال إبراهيم عليه أفضل الصلوات والتسليم: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 131].
فهو إذًا تاريخ موغل في القدم، تحفُّه الرسالات والرسل العظام الكرام، وهو ليس تاريخًا خاصًّا بجنس أو شعب، بل كل من أسلم لله تعالى على مدار التاريخ فهو من هذه الأمة المسلمة الراشدة، وهذا يرتقي بتاريخنا إلى الشمول والعالمية التي تحتاجها الحضارات التي تبنى على أساس سليم.
ثانيًا: تاريخنا منضبط دقيق:
ليس لأمة من الأمم تواريخ صحيحة منضبطة دقيقة مثل ما لأمتنا، بل ليس عندهم عشر معشار ما عندنا (أي واحدة بالمائة)، فهذا تاريخنا يتناقل معظمه بالسند، وليس لأمة من أمم الأرض اليوم سند لا صحيح ولا موضوع. وتاريخنا يمكن أن يحاكمه أي ناقد مدقق؛ إذ هو مؤسَّس على قواعد دقيقة منضبطة، أما الأمم الأخرى فهم لم يضبطوا تواريخ أنبيائهم، فضلاً عن عظمائهم وفضلائهم، ولم يصح منها إلا شيء يسير، ولا نستطيع أن نعيِّنه غالبًا. وكثير من الحوادث التاريخية في هذه الأمة الإسلامية مذكور في كتاب الله تعالى، وهو أصح نص في دنيا الناس وبين أيديهم، ومذكور كذلك في صحيح السُّنَّة، ومعلوم كم من الجهود بذلت لضبطها وتدقيقها وتصحيحها.
ثالثًا: تاريخنا مليء بالحيوية والتجدد:
إذ كلما خبا ضوء الأمة في مكان سطع في مكان آخر، فسقوط الأندلس عُوِّض بفتح القسطنطينية، ويبعث الله تعالى في كل زمان ومكان من يرتقي بهذه الأمة ويصلها بأمجاد تاريخها وروعة ماضيها، ويتكئ على موروثها العظيم؛ لصنع حاضر مضيء ومستقبل مشرق رائع.
رابعًا: تاريخنا مليء بالتفاصيل المهمة الرائعة:
وهذه ميزة ليست لغيرنا من الأمم، فنحن نعرف من تواريخ عظمائنا وأبطالنا وفضلائنا الكثير الكثير، وننهل من تجارب من مات منذ أكثر من ألف سنة وأحواله ودقائق حياته، ما يعيننا على إصلاح عيوبنا، والارتقاء بأحوالنا. وهناك كتب كثيرة تكفَّلت بعرض هذه الروائع، وضبط هذه الدقائق والرقائق، وحفظ تلك الكنوز والوثائق.
خامسًا: تاريخنا يحمل البشرى لمستقبلنا:
في ثنايا تاريخنا مبشرات رائعات منقولات ومعقولات تبشِّر بمستقبل رائع مشرق، وأعني بالمنقولات ما جاء من بشريات في كتب السُّنَّة بالنصر والتمكين، وأعني بالمعقولات ما يفهمه قارئ التاريخ استئصالاً وزوالاً، وأنه على مدار تاريخ هذه الأمة الرائع حصلت أحوال وحوادث كان يخشى فيها على هذه الأمة من الزوال، لكن نورها أشرق من جديد، وضياءها انتشر بعد ظلام مديد. وهذا من فضل الله علينا، ودليل واحد من أدلة كثيرة أننا على الحق، وأن الله تعالى لن يخذلنا ولن يسلمنا I، والله الموفق.
د. محمد موسى الشريف
المصدر: موقع التاريخ.
التعليقات
إرسال تعليقك