ملخص المقال
هذه القصة تنطبق على النظام السوري الذي لا يفعل شيئا لا للقضية الفلسطينية ولا لتحرير الشعب السوري من أسره
يورد الأستاذ مالك بن نبي -رحمه الله- هذه القصة الرمزية كمثالٍ على الدجل السياسي، وكمثال على الدجل الفكري حين يرى الناس أن الأمور صعبة إلى درجة كبيرة وهي ليست صعبة، أو يستسهلون بعض الأمور وهي صعبة.
والقصة هي أن جحا وأصحابه وفي يوم بارد ذهبوا إلى الغابة ليحتطبوا، وكل واحد من الأصدقاء جمع ما يقدر عليه، وفي آخر النهار حين قرروا الرجوع إلى المنزل بحثوا عن جحا، فوجوده يدير حبله على أشجار الغابة كلها، فتعجبوا وسألوه: ماذا تصنع؟ قال: أريد أن أجمع كل أشجار الغابة. فأعجبوا بعزيمته وطموحه، ولكنه رجع معهم ولم يتعب بجمع الحطب كما تعبوا، وتدفأ على حطبهم، ولكنه أخذ (الصيت) والسمعة والشهرة بأنه صاحب همة؟!
هذه القصة تنطبق على النظام السوري الذي لا يفعل شيئًا لا للقضية الفلسطينية، ولا لتحرير الشعب السوري من أسره، ولا للوحدة العربية، ولكن له الصيت والشهرة بأنه دولة الممانعة الواقف في وجه إسرائيل وأمريكا (مع أنه كان يفاوض إسرائيل قبل اجتياح غزة بشكل مباشر وغير مباشر).
إنها معادلة شيطانية، يقدِّم الخدمات لأمريكا (باعترافه حين قدم لها ملفات الإسلاميين)، ولا يطلق رصاصة على إسرائيل منذ أربعين عامًا، ولكنه هو دولة الصمود والممانعة، حتى عند بعض الصحفيين والإعلاميين الذين يعتبرون أنفسهم مثقفين سياسيًّا، وليس هذا فقط فإن بعض الفصائل الإسلامية تقدم له التزكية دون مقابل، حين يصفونه بدولة الممانعة، وحين يذهبون إلى دمشق ويحضرون المؤتمرات المصنعة.
وهؤلاء الذين يتقربون منه يشملهم القرار السوري الذي أصدره النظام، وينص على إعدام كل من ينتسب للإخوان المسلمين، مما يدفع كثيرين للتساؤل عمَّا إذا كان هذا السلوك مجرد سذاجة سياسية، أو أن هناك صفقات تدار من وراء الكواليس؟ هل لمصلحة فلسطين قتل مخيم (تل الزعتر) وإخراج منظمة التحرير من لبنان؟ وهل إضعاف الجيش السوري والشعب السوري والجامعات السورية هو لمصلحة فلسطين؟ ويبقى السؤال: هل الأنظمة الديكتاتورية يمكن أن تحل مشكلة فلسطين ومشكلة الأمة كلها؟
إن قضية فلسطين وإجرام العدو في غزة هذه الأيام لا يحل بالتنديد والشجب والمؤتمرات الفارغة من أي مضمون، وحتى هذه المظاهرات وإن كانت تعبر عن خيرية هذه الأمة واستعدادها للتضحية، إلا أنها تبقى ردة فعل، والزعماء ليس عندهم مانع في هذه المظاهرات ما دامت في صالحهم. وهم حين يعقدون المؤتمرات ويصدرون القرارات يريدون أن يعطوا انطباعًا بأنهم يفعلون شيئًا حقيقيًّا، وهذا كله تخدير للناس وتمويه عليهم. هؤلاء الزعماء لا يهمهم أمر الأمة ولا حتى مصالح الوطن الذين هم فيه؛ لأن الخنوع الذي وصلوا إليه أورثهم البلادة والغباء. ونحن هنا لا ندافع عن أي نظام عربي، ولكن الحقائق يجب أن تُعلم، يجب أن يعي الناس حقيقة ما يجري، حقيقة الصراع، ومن هو مع فلسطين وشعب غزة، ومن الذي يخادع ويستتر بالشعارات.
لا أحد ممن عنده دين أو ذرة من الإنسانية يرضى بالذي يقع في غزة، والمقاومة لهذا العدو مشروعة؛ فهو يحتل أرضًا إسلامية عربية، وهذا من البديهيات، ولكن لا نريد من تجار الشعارات أن يستفيدوا من جراحات فلسطين ومن أشلاء أطفال فلسطين، هؤلاء الذين يريدون (قلب الطاولة)، ولا يقدمون شيئًا عمليًّا لأطفال فلسطين وللمقاومة في فلسطين.
إن الإسلاميين الذين يروِّجون لهذه الخديعة مسئولون أمام الله، ومسئولون أمام التاريخ، وأمام الشعوب والشباب المسلم الذي سيكتشف في المستقبل كيف كانت تدار الأمور. لماذا لا نبحث عن الحلول الجذرية التي توقف العدوان وتحمي شعب فلسطين من هذا الظلم، وهذا التجويع والتشريد الذي يمارسه العدو؟ لماذا لا نلجأ -بعد الله I- إلى الأمة وقد أظهرت المظاهرات اليوم مدى صدق هذه الأمة واستعدادها للتضحية؟
إن قضية فلسطين هي قضية إسلامية عربية، وهي جزء من مشكلة كبرى تواجه المسلمين، إن الشعب العراقي مظلوم أيضًا، والشعب السوري مظلوم أيضًا؛ فالمنطقة كلها مرتبطة ببعضها والمؤامرة على الجميع والصراع مستمر حتى يحكم الله بيننا وبين المحتلين والأعداء. وأرض فلسطين أرض إسلامية لا يجوز التنازل عن شبر منها، وقد يضطر المسلمون للهدنة المؤقتة ولظروف صعبة، ولكن لا اعتراف بعدوٍّ اغتصب أرضًا ليست له.
ونسأل الله I أن ينصر المجاهدين في غزة على أعدائهم، ويرفع هذه المحنة عن أهل غزة الصابرين، والشكر لأحرار العالم الذين وقفوا مع العدل والحرية ضد الهمجية والإجرام الذي يمارسة العدو الصهيوني.
د. محمد العبدة
المصدر: موقع البينة.
التعليقات
إرسال تعليقك