ملخص المقال
الجهاد، فريضة على كل مسلم في كل وقت، ويكون بالمال والنفس والروح.. فما هو الأجدى؛ الجهاد بالروح أم بالنفس؟ وكيف كان جهاد الرسول عليه السلام؟
يقول المولى عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111]؛ الجنّة مقابل النفس والمال، الجنّة ليست مقابل الروح أو الحياة وإنما مقابل النفس، فالروح أو الحياة هي بعض ما تملكه النفس وتتمنّى دوامه وتخشى فقدانه، وكما تحب النفس الحياة فهي تحب أيضًا الكرامة، والعزّة، والشجاعة، والسمعة، والنخوة، والشهامة، وأمور أخرى كثيرة.
والجهاد أن تضحي بالنفس وما تهواه لتكون كلمة الله هي العليا، الجهاد هو التضحية ببعض أو كل ذلك في سبيل الله، فالعزة والكرامة والشجاعة ليست هدفًا يجاهد الناس من أجلها بل إنّ من أول من تسعّر بهم النار يوم القيامة شهيد جاهد ليقال شجاع ويرى الناس شجاعته، وكذلك من قاتل ليرى الناس عزته وكرامته، فمن غير الجائز الجهاد ببعض ما تهواه الأنفس من أجل البعض الآخر، فليس الجهاد أن تضحي بالأقل حبًّا لنفسك من أجل ما هو أشد حبًّا منه لنفسك، ليس الجهاد أن تضحي بحياتك من أجل كرامتك وعزتك وشجاعتك إلا أن يكون دفاعك عن كرامتك وعزتك هو ممّا يجعل كلمة الله هي العليا.
ولتحقيق هذا الهدف قد يتغيّر ما يجب علينا الجهاد به، فقد نحتاج أحيانًا أن نضحي بعزتنا أو كرامتنا أو شجاعتنا في سبيل الله، ويصبح ذلك هو الجهاد بالنفس تمامًا كالتضحية بالروح، والعبرة هنا بالأكثر تحقيقًا للهدف لا بدرجة حبنا لما نضحي به، فإذا تساوى تحقيق الهدف سبق الدرهم مئة ألف درهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ؟ قَالَ: «رَجُلٌ لَهُ دِرْهَمَانِ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ، وَرَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَأَخَذَ مِنْ عُرْضِ مَالِهِ مِائَةَ أَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهِ»، فمن ضحى بنصف ماله وإن كان درهمًا أشد تضحية ممن ضحى بمائة ألف من مال كثير.
قد يكون الجهاد برؤية آل ياسر يعذبون ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «صبرا آل ياسر»، قد يكون الجهاد بأن يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم من يقول: "وَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ"، فيجاهد النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»، يقبل على نفسه هذا الكلام خوفًا من ابتعاد من قد يفكر في الإسلام.
يقبل أن يجلس مع الكفار ليفاوضهم ويحاورهم ويعقد معهم صلحًا كصلح الحديبية، ومن يجلس معه يكذبه ويطلب منه أن يمحو رسول الله، فيجاهد رسول الله ويقبل وصفهم إياه بالكذب حرصًا على آلاف آمنوا بعد صلح الحديبية، ليصبح المسلمون 10000 في فتح مكة بعد أن كانوا 1500 في صلح الحديبية، بل ويقبل في هذا الصلح أيضًا أن يردّ للكفار من يأتيه مسلمًا، يقبل ذلك حتى يصل الإسلام لكل الناس، لم يقبله خضوعًا ولا إذعانًا ولا طمعًا في بقاء ملك ولا خوفًا على حياة فقط من أجل الذين أرسل رحمة لهم.
والعجيب أنّ منّا من يكرر ما قاله عمر في صلح الحديبية بالرغم من ندمه عليه بعد ذلك أشد الندم، يقولون لم نعطِ الدنية في ديننا، ولا يدركون أنّ ما ظنّه عمر دنية كان فتحًا، يقولون نموت من أجل الكرامة، أو ليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النّار، لماذا يريد بعض الإسلاميين أن يدخلوا الجنة بمفردهم، لماذا لا يجاهدون بكرامتهم من أجل الفقراء البسطاء الذين يموتون جوعًا ومرضًا، لماذا يعتبرون الحوار والتوافق ذلاً ومهانة وخضوعًا وإذعانًا، كل ذلك يعتمد على الهدف من الحوار ومحاولة التوافق، كما اعتمد فعل النبي صلى الله عليه وسلم على الهدف منه في كل ما ذكرت سابقًا.
التعليقات
إرسال تعليقك