ملخص المقال
الأمطار في السعودية.. هل لا يزال الخطر قائمًا؟ مقال يوضح أسباب تكرار الكوارث الناتجة عن الأمطار في السعودية وكيفية الخروج من الأزمة والحل الناجع لها
ما إن تهطل الأمطار على أي من مناطق المملكة العربية السعودية ابتداءً بالمدن الصغيرة وحتى المدن الكبيرة وانتهاء بالعاصمة الرياض حتى يتكرر المشهد نفسه وبالتفاصيل ذاتها, جريان السيول على نحو غير متوقع, غمر الشوارع بالمياه, العديد من الخسائر في الممتلكات والبنى التحتية، وفاة أشخاص واحتجاز آخرين واستنفار كامل لعدد من الجهات الحكومية.
ومع أن ناقوس الخطر دُق مرارًا قبل ذلك، وتحديدًا بعد الكوارث التي أعقبت هطول الأمطار في مدن جدة وتبوك والأفلاج محدثة خسائر في الأرواح والممتلكات, فإن هذا الخطر يبقى قائمًا بمجرد تعرض أي من المدن السعودية لموجهة من الأمطار، التي قد لا يتجاوز فترة هطولها الساعات.
وبالفعل هذا ما حدث خلال الموجة الأخيرة من الأمطار على عدد من مدن المملكة العربية السعودية الرئيسية, التي نجم عنها وفاة 15 شخصًا، ولا يزال البحث جاريًا عن مفقودين غمرتهم المياه، أو جرفتهم السيول, ناهيك عن ما أحدثته من خسائر في الممتلكات العامة والخاصة.
ولا يمكن القول: إن القاسم المشترك بين المدن التي تضررت من الأمطار هو ظروف جوية (مفاجئة). بل يتعدى ذلك إلى جملة من الأخطاء في تأسيس البينة التحتية لكافة المدن التي أصابتها الأمطار وتهيئتها لمثل هذه الظروف على الرغم من الميزانيات الضخمة التي رصدت من أجلها.
واللافت في الأمر أن مدينة الرياض العاصمة كانت أكثر المدن تضررًا مع الموجة الأخيرة، التي لم تكن سوى موجة متوسطة استمرت فترة زمنية محدودة، وهذا ما صرح به للإعلام المتحدث الرسمي للدفاع المدني العقيد عبد الله العرابي الحارثي، الذي أكد أن منطقة الرياض وضواحيها كانت أكثر مناطق المملكة تضررًا من الأمطار.
ونقلت عدد من المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو تُظهر تسرب مياه الأمطار بغزارة في عدد من المشاريع الحكومية، الذي تكلف إنشاؤها الكثير؛ كجامعة الأميرة نورة بالرياض، ومطار الملك فهد بالدمام, ومستشفى الأمير محمد بن عبد العزيز، الذي تم افتتاحه قبل أقل من عام.
ولقد دفعت هذه الأحداث بالمواطنين السعوديين إلى أن يصبُّوا جام غضبهم على المسئولين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في تويتر من خلال عدة أوسمة "الرياض-الآن" و"الرياض-تغرق"، "فساد-المشاريع"؛ مؤكدين فيها أن المطر يقوم مقام هيئة مكافحة الفساد في كشفه للفساد المتعلق بمشاريع البنى التحتية وتصريف الأمطار والسيول؛ سواء في رداءة تنفيذها، أو عدم الإشراف على المشاريع، أو سوء التخطيط، أو عدم وجود صيانة مطلقًا.
وتناقل المغردون المئات من الصور والعشرات من مقاطع الفيديو التي توثق هشاشة ورداءة مشاريع تصريف الأمطار، وما نجم عنها أضرار طالت الشوارع والمرافق العامة وحاصرت الأهالي, كما تناقلوا مقاطع فيديو لشباب يمارسون هواية التزلج على الماء في عدد من شوارع الرياض، التي جرت فيها المياه كالأنهار؛ مشيرين إلى أن الأمطار هي أصدق من يصف حال تلك المشاريع، التي لا تحابي أحدًا ولا يمكن إخافتها.
ولم تغب تلك المشاهد التي أحدثتها الأمطار في المملكة العربية السعودية عن وسائل الإعلام الأجنبية والعربية التي تناقلت صورًا ومقاطع للمياه وهي تغمر الشوارع؛ مشيرة إلى أن ما أصاب المملكة العربية السعودية لا يعدو كونه أمطارًا، وليست فيضانات، فكيف لها أن تُحدث كل ذلك.
ووصفت صحيفة "كرون" الأمريكية حالة الأمطار والسيول التي غمرت مدينة الرياض بالصور "المجنونة"، ونشرت الصحيفة عددًا من الفيديوهات والصور التي تعبِّر عن حالة الطرق والشوارع في الرياض، وقد غمرتها المياه، حتى وصلت إلى داخل المنازل.
ضرورة التصدي للفساد
ولعل السبب الرئيسي الذي تجمع عليه الأكثرية والذي يقف وراء أغلب تلك الكوارث وأصابتها للمدينة بعد الأخرى هو رداءة تنفيذ المشاريع؛ وذلك على الرغم من الميزانيات الضخمة المرصودة لها بسبب الفساد وضعف الرقابة.
وفي هذا السياق يصف سماحة مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ الجهات التي نفذت مشاريع الدولة، وقد انكشف حالها المتردي بالخائنين للأمانة؛ مطالبًا بمحاسبته ومعاقبتهم. كما ناشد المواطنين بإبلاغ المسئولين والتوضيح لهم عن سوء التنفيذ في المشروعات التي يلاحظونها؛ لعل الأصوات تجتمع فينكشف حال هؤلاء المفسدين.
كما اعتبر الأمين العالم لرابطة علماء المسلمين أن ما يحدث من كوارث مصاحبة لنزول الأمطار، لم تكن بسبب الأمطار بذاتها؛ بل تسبب فيها البشر, فهي تحدث على الرغم من وفرة العقول والميزانيات, معتبرًا أن الفساد هو أصل المشكلة؛ ومحذرًا من خطورة التهاون في محاسبة المسئولين عنه؛ لأن ذلك سيؤدي إلى الإضرار بالمجتمع بأكمله.
وبيَّن فضيلته وجوب الاحتساب في مثل هذه الأمور المتعلقة بحقوق الناس وسلامتها؛ إذ من الواجب السعي على كشف الفساد والإبلاغ عن المفسدين والمتلاعبين أو المستغلين لتلك الكوارث, والدخول على المسئولين أو الاتصال بهم لتنبيههم وتحذيرهم من خطورة التهاون في مثل هذه المشاريع.
ولقد رصدت الحكومة السعودية رصدت 38.2 مليار ريال في ميزانية العام الجاري لتصريف الأمطار ودرء السيول؛ إلا أن الكثير من هذه الأموال ستستخدم لإصلاح الخلل في مشاريع سابقة، وهو ما يوازي تكلفة إنشائها أو يفوقه حتى؛ إذ كان من الممكن توفير هذه الأموال فيما لو تم إنشاء هذه المشاريع على نحو صحيح من البداية.
كما أن خبراء يقولون -أيضًا-: إن الحكومة السعودية تخسر يوميًّا مئات الملايين جراء استمرار مشكلة المياه، ومن أبسط الأمثلة على ذلك قطاع التعليم, فإن عدم ذهاب الطلبة إلى المدارس، وهم أكثر من 5 ملايين طالب وطالبة، من شأنه دعم هدر المال العام.. إلى غير ذلك من مبالغ تعويضات واستنفار الجهات المختلفة.
لذلك فإن الخروج من الأزمة الراهنة وتلافي الكوارث مستقبلاً لا يتطلب تخصيص المزيد من المشاريع والميزانيات الضخمة بقدر ما يتطلب السعي لمعالجة المشكلة من جذورها في محاربة الفساد وملاحقة المفسدين وتقديمهم إلى العدالة, والحرص على إسناد مشاريع البنى التحتية إلى الجهات القادرة على ذلك، ومراقبتها في كافة المدن، وتقييمها وضمان مطابقتها للمواصفات, وقدرتها على الوقوف في وجه كل الظروف البيئية أسوة ببقية دول العالم.
المصدر: موقع المسلم
التعليقات
إرسال تعليقك