ملخص المقال
أم المسيح، تزخر كتب السير بنماذج رائعة لخير النساء، تمثل كل واحدة منهن قدوة من نوع خاص، ولعل من أشهر هؤلاء النساء كانت مريم ابنة عمران، فماذا تعرف عنها ؟
تزخر كتب التاريخ والسِّـيَر بنماذج رائعة لخير النساء، تمثل كل واحدة منهن قدوة من نوع خاص، مثل السيدة خديجة والسيدة عائشة، وسائر أمهات المؤمنين، رضي الله عنهن أجمعين، وقد أُفردت لهن مؤلفات مستقلة وافية.
وكان إفراد السيدة آمنة أمِّ النبي عليه الصلاة والسلام، بمؤلف خاص من المشقة بمكان، لِما اكتنف سيرتها من فراغات تاريخية وتوثيقية، غير أن عائشة عبد الرحمن والتي تلقب بـ بنت الشاطئ جزاها الله خيرا اضطلعت بسيرة السيدة آمنة، في كتابها الماتع[1] " أم النبي"، فجمعت ما تناثر من أخبار في أسلوب رائق وسرد متسلسل، فساهمت مشكورة في إيضاح الملامح المرتعشة، ورسم الخطوط لمعالم كانت مهتزة.
فأحببت أن أحذو حذوها في سيرة واحدة من النساء الكاملات، وإحدى سيدات العالمين، والوحيدة التي ذكر اسمها صراحة في القرآن الكريم في أكثر من موضع، وتناديها الملائكة باسمها في مودة وحفاوة "مريم ابنة عمران" أمّ المسيح عليهما السلام.
ورأيت فيما توافر من أخبار موثقة في سيرة السيدة مريم المطهرة، وفيما أخبر الله تعالى عنها في القرآن، وما نُقل عن المصطفى عليه الصلاة والسلام، مادة تكفي إن تم جمعها، لتأليف قصة يلذ سماعها إن أحسنت حكايتها، ونموذج غني يستحق الاقتداء به إن فصّلت جوانب ثرائه. خاصة وأن مريم الطاهرة عليها السلام تمثل قدوة مختلفة، من حيث إنها فتاة في ربيع العمر وفورة الشباب، درجت في أكناف التبتل وانقطعت للعبادة، ووجهت قلب الأنثى المكتمل فيها لله وحده. واصطفاها الله شابة، وخاضت الامتحان شابة، وحملت بعيسى الكلمة شابة. فهي قدوة حسنة للفتيات المتفتحات على الحياة في باكورة الشباب.
وقد يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن الفتيات اسمُ السيدةِ عائشة، أصغرِ زوجات النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، إذْ لم يتزوج بِكرا غيرَها. وهي قدوة رضي الله عنها، لا مِراء، وإنْ من نوع آخرَ مختلفٍ. فهي الزوجة الصغيرة الفتية، فيها من حلاوة الشباب وبراءة الطفولة وغيرة الزوجة، ما يعكس حكمة المصطفى عليه الصلاة والسلام، في احتواء هذه الجوانب كلها. لكنها تظل زوجة. وفيما بعدُ مَثَلَ المرأة العالمة والمعلمة.
أما السـيدة مريم فتمثل أول ما تمثل الأنثى فردا، لا ابنة ولا زوجة ولا أُمًّا، لأن لب نموذجها يظل الأنثى في فورة الشباب، وربيع العمر.
لهذا كلِّه، شرعت في جمع أخبار السيدة الطاهرة مريم، لسردها في أسلوب قصصي، اجتهدت أن يكون شائقا ورائقا قدر استطاعتي، واقتصرتُ في ذلك على الموثق من الأخبار والصحيح من الروايات، وما وجدت فيه اختلافا لا يحيد بالسيرة ولا ينتقص منها، توكلت على الله واخترت منه ما تيسر وما اشتهر.
من ذلك: هل زوجة سيدنا زكريا أخت مريم أمْ خالتها ؟ وهل مات عِمرانُ قبل ولادة مريم أم بعد ولادتها ؟ وهل اقترع الأحبار على كفالة السيدة مريم مرةً أمْ ثلاثَ مرات ؟ وهل جاء جبريل عليه السـلام إلى السيدة مريم وهي في المحراب أمْ خارجه ؟ وهل من كلمها بعد الولادة هو ابنُها أمْ جبريل عليه السلام ؟
وهي كلها أمور - كما سـيتبين من السرد - لا تخل بلب القصة، فالمهم أن تصلَ العبرةُ ويتضحَ المغزى، وترتسم المعالمُ واضحةً قدر المستطاع لتلك السيدة المطهرة، والشابة العفيفة، مريم البتول، مريم الصِّدِّيقة، أمّ المسيح عليه السلام
[1] الماتع: الجيد، البالغ الجودة من كل شيء [ المعجم الوجيز: مادة "متع"].
التعليقات
إرسال تعليقك