جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
نشأت مليشيا الجنجويد التي تتهم بأنها الذراع العسكري للقبائل العربية، أو أن الحكومة السودانية هي التي أقامت تنظيمهم ودعمتهم، ثم عندما كثرت تجاوزاتهم من
الجنجويد في الصراع
نشأت مليشيا الجنجويد التي تتهم بأنها الذراع العسكري للقبائل العربية، أو أن الحكومة السودانية هي التي أقامت تنظيمهم ودعمتهم، ثم عندما كثرت تجاوزاتهم من قتل وتشريد للقبائل التي استوطنت المنطقة تبرات منهم خشية الاتهام بدعم العنف، أو كانت في الأصل تحالفا عربيا للحد من نفوذ الشماليين بدارفور وهو أمر دأبت تلك القبائل العربية على نفيه، كما تنفي الحكومة السودانية علاقتها بهم، لكن بعض المراقبين يردون نشأة الجنجويد إلى الحرب التشادية - التشادية في حقبة الثمانينات حين واجه الرئيس التشادي الحالي "إدريس ديبي" خصمه "حسين حبري"، فجنّد كل طرف بعض المليشيات من أبناء القبائل العربية القاطنة بشرق تشاد فبرزت مليشيا الجنجويد.
ينقسم الجنجويد إلى قسمين: قسم أصغر بشمال دارفور يتكون من عدة مليشيات تابعة للقبائل العربية أو الأبّالة وهي التي تمتهن تربية الإبل. وتذكر بعض المصادر أن جنجويد الشمال استباحوا مدينة كتم في أغسطس 2003. ويتركز القسم الأكبر من الجنجويد بجنوب دارفور وهم من أبناء القبائل العربية المعروفة بالبقارة أي التي يغلب عليها تربية البقر ويقدر عددهم بأكثر من 5 آلاف مسلح. يتحصنون بجبل كرقوا بأقصى جنوب غرب دارفور. وتتهم مليشيا الجنجويد بأنها شاركت إلى جانب قوات الجيش السوداني في حملاته على القوات المدعومة من الخارج - وهو ما تنفيه الحكومة وتدعيه المعارضة - في الحملة ضد المهندس "داؤود يحيى بولاد" - من قبيلة الفور - وقد قاد تمردا عام 1991 متعاوناً مع جون قرنق زعيم الحركة الشعبية ومنشقا عن الجبهة القومية الإسلامية بزعامة حسن الترابي، وقد قمعت حملته وأسر وقتل.
إذن ما بين الادعاء والنفي تبقى الحقيقة غائبة، ولكن الواقع أن دورهم كان كبيراً بالاشتراك مع الميليشيات المدعومة من الخارج في إثارة القلاقل التي راح ضحيتها مئات آلاف من القتلى والجرحى والمشردين الذين يتوزعون على الدول المجاورة، ويشكلون عبئا على المناطق الحدودية، وما يثيرونه من مشكلات مستعصية على مصادر المياه، والدعم الإغاثي الذي لا يزال محدوداً، والتردد من قبل الحكومة السودانية التي ترفض تدخلاً غربياً لحماية الجهود الإغاثية، وأن هذا فيه مساس بسيادتها وتجيير عمل الحماية لقوات الاتحاد الإفريقي التي ارتدت زيّ القوات الدولية.
التأثير الديني
ويدين سكان دارفور رغم الاختلاف العرقي والثقافي الذي اشرنا بالإسلام وقد تأسست في الإقليم تاريخيا مجتمعا مستقلا منذ فترة بعيدة وقامت فيه ممالك مزدهرة من أهمها سلطنة الفور التي استمرت في الوجود منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وسقطت في أواخر القرن التاسع عشر نتيجة الحملات التركية وبعدها ضغوط قوات المهدية. ثم عادت سلطنة إسلامية 1898 واستمرت حتى سقوطها النهائي في عام، 1916 ثم المصري الذي كان في واقع الأمر تحت السيطرة البريطانية .
تأثر إقليم دارفور بالإسلام والثقافة الإسلامية قبل دخول المستعمرين؛ فأقيمت المدارس الدينية لتعليم القرآن والشريعة الإسلامية، وتم إرسال العديد من أبناء الإقليم إلى الدراسة في الأزهر الشريف؛ حيث خصص "رواق دارفور" منذ تلك الفترة، ويذكر التاريخ عن السلطان علي دينار أنه كان يكسو الكعبة المشرّفة سنويا، ويوفر الطعام لأعداد كبيرة من حجاج بيت الله الحرام، فيما يعرف ب-"قدح السلطان علي دينار" أو "أبيار علي"، ومن مظاهر الحياة الإسلامية أن تجد كثيرا من الخلاوي التي تهتم بالتعليم الديني، وتحفيظ القرآن وتجد الخلاوي تجمع العرب والإفريقيين رغم المعاناة التي يحياها الجميع.
ولكن تظل المعاناة من تأثير الاضطرابات تصيب الجميع ومنهم أهل القرآن وحفاظه، وعمار الخلوات وناشري الإسلام في أصقاع إفريقيا المختلفة، من أهل دارفور العزيزة الذين يجمع بينهم الإسلام، ويوحدهم اللسان العربي المبين على اختلاف أصولهم القبلية ذات التاريخ والفضل والشرف كما شهد بذلك وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يسعى لإصلاح ذات البين هناك.
أصابع التنصير
"يجب ألا يقف العالم موقف المتفرج طويلا على أبشع صور الموت جوعاً والاغتصاب للنساء، والقتل المنظم للرجال، من قبل جماعات الجنجويد، والقوات المتمردة في صراعها مع الحكومة السودانية، في ظل عدم وجود الإرادة السياسية والشجاعة الكافية لاتخاذ قرار حتى لا يتكرر ما حدث في رواندا مرة أخرى في حقبة التسعينات من مذابح كانت بين بروندي ورواندا" اللورد ألدرالدرديس ، بهذه الكلمات كان هذا النداء الغربي " الرحيم "عن دارفور التي تعاني، لندرك مدى أهمية "دارفور" التي كان يرجى لها أن تسهم في المد الإسلامي في أفريقيا، ولكن تدخلت عوامل عدة لتحول دون ذلك، فالتواجد الأجنبي لا حدود له، وكله يعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، وهناك كمٌ كبير من الكنائس تعمل في الإقليم التي يشكل 20 بالمائة من مساحة السودان، ومما يجدر ذكره أن كافة سكان الإقليم من المسلمين.
ووسط مؤشرات تقسيم السودان وإن كانت الحكومة تسعى لمبادرات سلام على غرار ما حدث مع الجنوب، وإن كانت بروتوكولات الاتفاقات جعلت التفكك هو الأرجح، فالكثيرون من المفاوضين عن المناطق السودانية التي تعاني النزاع "جيء بهم" ولديهم أفكار مسبقة لفرضيات كثيرة على رأسها الحكم الذاتي أو الانفصال عن جسم الدولة عاجلا أو آجلا، لقد كان الحفاظ على وحدة السودان أضعفها، وأوسطها علاقة فيدرالية ما، وهذا ما يحدث أيضا في العراق، وما يسعون لفعله في القرن الأفريقي.
والوسائل في ذلك كثيرة نرى أن أقواها أثرا تقديم المساعدات الإنسانية" غذائية - علاجية - تعليمية - تنموية " من قبل الكنائس المختلفة، وبأساليب "غزو ناعم" ، فقد دأبت أمريكا على ضغطا على مجلس الأمن لإدخال قوات أممية للسودان، وسعت لتهويل ما يحدث من تداعيات للصراع الذي لا يزال مشتعلا، وهو تسعى طوعية هيئات محايدة لإثباته متعاونة مع الحكومة السودانية، ولا تنكر الحكومة وجود تجاوزات خطيرة، بل تعاملت معها بإحالة الجناة إلى القضاء السوداني، مع رفض الحكومة تسليم هؤلاء الجناة للمحاكمة خارج السودان لما في ذلك من المساس بسيادة الدولة.
كان التدخل في الشأن السوداني لأهداف إستراتيجية - كما ذكر الدكتور "محمد الأمين دفع الله" مسؤول صندوق إعمار جنوب السودان سابقاً - أن التدخل الأجنبي الذي تسعى أمريكا ودول أوروبية للقيام به في دارفور تحت غطاء الأمم المتحدة له أهداف أخرى تتمثل في السعي لتنصير هذه المنطقة الاستراتيجية والسيطرة على مقدراتها. فأمريكا تريد أن تستعبد العالم الإسلامي - كما ذكر " الأمين " وتريد ايضا أن تفصل العالم المسلم الإفريقي عن باقي القارة الإفريقية خوفاً من انتشار الدين الإسلامي في المنطقة وساعدتها الصهيونية العالمية.
وأكد الدكتور "الأمين" أنه لا يوجد أي داع لهذا التدخل الأممي، وإن كانت قبلت السودان قوات أفريقية تحت مظلة الأمم المتحدة لدعم حماية المعونات، لأن النزاع في دارفور يعد قضية داخلية، والسودان يسعي مع جيرانه وأصدقائه لحلها عن طريق الحوار - كما استجاب لدعوة خادم الحرمين لإرساء اتفاق سلام في مايو 2007 مع الدولة الجارة تشاد - وكما حدث من قبل في حل قضية الجنوب التي تعقدت لأكثر من عشرين عاماً والتي كانت أشد تعقيدا أكثر من قضية دارفور.
تنبع غرابة قضية دارفور أن المشكلة تفاعلت بطريقة غير مفهومة وسريعة وبشكل مريب، ويدلل على ذلك التسارع في القرارات كما صرح "جون دانفورث" مندوب واشنطن لدى الأمم المتحدة عقب صدور قرار مجلس الأمن الذي تُبُني بغالبية 13 صوتاً في العام 2004 م للقرار الذي قدمته الولايات المتحدة وبريطانيا والذي أمهل الحكومة السودانية مدة 30 يوماً لتسوية أزمة دارفور، وإلا واجهت عقوبات دولية في حال عدم الوفاء بالتزاماتها خلال المهلة الزمنية المذكورة والحشد الدولي التي تتبارى فيه أمريكا، وفرنسا وبريطانيا عن طريق تشاد وتبارى المسؤولون في أوروبا وأمريكا في التصريحات والقدوم على المنطقة والإدلاء بما في جعبتهم، وتجييش الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة لإيجاد موطئ قدم لها.
واحتار المراقبون وانقسموا: لماذا يحدث ما يحدث؟ هل ما يجري بالفعل من قبيل الإغاثة والتعاطف مع مشكلة إنسانية، أم هو جزء من مخطط الشرق الأوسط الكبير؟..... هل هو تنافس على الثروات من نفط ويورانيوم وغيره، أم هي رغبة منظمات تنصيرية تريد تغيير عقيدة منطقة سلمت قيادها للإسلام منذ قرون طويلة؟
ولكن هناك أيضاً من يفسر ما جرى على أنه ميدان آخر للتنافس الفرنسي الأمريكي على مناطق النفوذ والثروات في أفريقيا، هذا السؤال يشغل بال كثير من المحللين، وقد عبر عن هذه الحيرة وزير الخارجية السوداني "مصطفى عثمان إسماعيل"، وإن كان لا يميل إلى القول بأن هناك تدخلا دوليا بقيادة أمريكية في السودان .
ولمعرفة حقيقة التهديدات الأمريكية والدور الأمريكي في هذه الأزمة لا بد من تتبع أهداف السياسة الأمريكية في العالم، ومن ثم الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط واستراتيجيتها في أفريقيا؛ حيث تتقاطع الاستراتيجيتان في السودان، ومن ثم يمكن عن طريق ذلك محاولة استكشاف القوانين التي تجري عليها الأمور في هذا البلد، كما يمكن محاولة تتبع مسار المشكلة مستقبلاً.
هناك بعد استراتيجي غربي صهيوني ويعمل الجميع على تنفيذه، ويجد الآن ضالته في حال ضعف العالم الإسلامي والعربي، والانفراد الأمريكي بحكم العالم، مع مساندة الدول التي تسمى ب- "العظمى" لتنفيذ المخطط الصهيوني.
وليست مفاجأة أن تتسلل منظمات التنصير إلى مناطق الأزمات ومنها دار فور، تحت غطاء طلقات الرصاص وأعمال العنف المتبادل بين متمردي الإقليم - والراغبين بإيعاز غربي في فصل جزء من الجسد السودان الذي يشكل خُمس مساحته - وبين القوات الحكومية السودانية، وبدأت تركيز جهودها، خاصةً في مخيمات اللاجئين الذين شردتهم الحرب، حتى إن عدد منظمات التنصير في الإقليم وصلت إلى نحو 30 منظمة، تعمل تحت ستار المنظمات الإنسانية.
وقد أعلنت منظمة Caritas "كاريتاس" العالمية الكاثوليكية صراحةً أنها تستهدف 125 ألف مسلم في دارفور، وهو الإقليم الذي لا توجد به كنيسة واحدة، ونسبة المسلمين فيه 100%.
وزعم "دونكان ماكلارين" - أمين عام المنظمة أن هناك مليون شخص في "دارفور" معرَّضون للموت، وفي حاجة إلى الحماية، وهذا العدد الضخم يعد صيداً سهلاً لمنظمات التنصير، واعترفت "هيئة المعونة النرويجية الكنسية" بأنها ترعى أكثر من 45 ألف لاجئ من دارفور، في ثلاثة معسكرات في تشاد، وبالطبع يخضعون لسيل من الأفكار التنصيرية.
نشأت مليشيا الجنجويد التي تتهم بأنها الذراع العسكري للقبائل العربية، أو أن الحكومة السودانية هي التي أقامت تنظيمهم ودعمتهم، ثم عندما كثرت تجاوزاتهم من قتل وتشريد للقبائل التي استوطنت المنطقة تبرات منهم خشية الاتهام بدعم العنف، أو كانت في الأصل تحالفا عربيا للحد من نفوذ الشماليين بدارفور وهو أمر دأبت تلك القبائل العربية على نفيه، كما تنفي الحكومة السودانية علاقتها بهم، لكن بعض المراقبين يردون نشأة الجنجويد إلى الحرب التشادية - التشادية في حقبة الثمانينات حين واجه الرئيس التشادي الحالي "إدريس ديبي" خصمه "حسين حبري"، فجنّد كل طرف بعض المليشيات من أبناء القبائل العربية القاطنة بشرق تشاد فبرزت مليشيا الجنجويد.
ينقسم الجنجويد إلى قسمين: قسم أصغر بشمال دارفور يتكون من عدة مليشيات تابعة للقبائل العربية أو الأبّالة وهي التي تمتهن تربية الإبل. وتذكر بعض المصادر أن جنجويد الشمال استباحوا مدينة كتم في أغسطس 2003. ويتركز القسم الأكبر من الجنجويد بجنوب دارفور وهم من أبناء القبائل العربية المعروفة بالبقارة أي التي يغلب عليها تربية البقر ويقدر عددهم بأكثر من 5 آلاف مسلح. يتحصنون بجبل كرقوا بأقصى جنوب غرب دارفور. وتتهم مليشيا الجنجويد بأنها شاركت إلى جانب قوات الجيش السوداني في حملاته على القوات المدعومة من الخارج - وهو ما تنفيه الحكومة وتدعيه المعارضة - في الحملة ضد المهندس "داؤود يحيى بولاد" - من قبيلة الفور - وقد قاد تمردا عام 1991 متعاوناً مع جون قرنق زعيم الحركة الشعبية ومنشقا عن الجبهة القومية الإسلامية بزعامة حسن الترابي، وقد قمعت حملته وأسر وقتل.
إذن ما بين الادعاء والنفي تبقى الحقيقة غائبة، ولكن الواقع أن دورهم كان كبيراً بالاشتراك مع الميليشيات المدعومة من الخارج في إثارة القلاقل التي راح ضحيتها مئات آلاف من القتلى والجرحى والمشردين الذين يتوزعون على الدول المجاورة، ويشكلون عبئا على المناطق الحدودية، وما يثيرونه من مشكلات مستعصية على مصادر المياه، والدعم الإغاثي الذي لا يزال محدوداً، والتردد من قبل الحكومة السودانية التي ترفض تدخلاً غربياً لحماية الجهود الإغاثية، وأن هذا فيه مساس بسيادتها وتجيير عمل الحماية لقوات الاتحاد الإفريقي التي ارتدت زيّ القوات الدولية.
التأثير الديني
ويدين سكان دارفور رغم الاختلاف العرقي والثقافي الذي اشرنا بالإسلام وقد تأسست في الإقليم تاريخيا مجتمعا مستقلا منذ فترة بعيدة وقامت فيه ممالك مزدهرة من أهمها سلطنة الفور التي استمرت في الوجود منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وسقطت في أواخر القرن التاسع عشر نتيجة الحملات التركية وبعدها ضغوط قوات المهدية. ثم عادت سلطنة إسلامية 1898 واستمرت حتى سقوطها النهائي في عام، 1916 ثم المصري الذي كان في واقع الأمر تحت السيطرة البريطانية .
تأثر إقليم دارفور بالإسلام والثقافة الإسلامية قبل دخول المستعمرين؛ فأقيمت المدارس الدينية لتعليم القرآن والشريعة الإسلامية، وتم إرسال العديد من أبناء الإقليم إلى الدراسة في الأزهر الشريف؛ حيث خصص "رواق دارفور" منذ تلك الفترة، ويذكر التاريخ عن السلطان علي دينار أنه كان يكسو الكعبة المشرّفة سنويا، ويوفر الطعام لأعداد كبيرة من حجاج بيت الله الحرام، فيما يعرف ب-"قدح السلطان علي دينار" أو "أبيار علي"، ومن مظاهر الحياة الإسلامية أن تجد كثيرا من الخلاوي التي تهتم بالتعليم الديني، وتحفيظ القرآن وتجد الخلاوي تجمع العرب والإفريقيين رغم المعاناة التي يحياها الجميع.
ولكن تظل المعاناة من تأثير الاضطرابات تصيب الجميع ومنهم أهل القرآن وحفاظه، وعمار الخلوات وناشري الإسلام في أصقاع إفريقيا المختلفة، من أهل دارفور العزيزة الذين يجمع بينهم الإسلام، ويوحدهم اللسان العربي المبين على اختلاف أصولهم القبلية ذات التاريخ والفضل والشرف كما شهد بذلك وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يسعى لإصلاح ذات البين هناك.
أصابع التنصير
"يجب ألا يقف العالم موقف المتفرج طويلا على أبشع صور الموت جوعاً والاغتصاب للنساء، والقتل المنظم للرجال، من قبل جماعات الجنجويد، والقوات المتمردة في صراعها مع الحكومة السودانية، في ظل عدم وجود الإرادة السياسية والشجاعة الكافية لاتخاذ قرار حتى لا يتكرر ما حدث في رواندا مرة أخرى في حقبة التسعينات من مذابح كانت بين بروندي ورواندا" اللورد ألدرالدرديس ، بهذه الكلمات كان هذا النداء الغربي " الرحيم "عن دارفور التي تعاني، لندرك مدى أهمية "دارفور" التي كان يرجى لها أن تسهم في المد الإسلامي في أفريقيا، ولكن تدخلت عوامل عدة لتحول دون ذلك، فالتواجد الأجنبي لا حدود له، وكله يعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، وهناك كمٌ كبير من الكنائس تعمل في الإقليم التي يشكل 20 بالمائة من مساحة السودان، ومما يجدر ذكره أن كافة سكان الإقليم من المسلمين.
ووسط مؤشرات تقسيم السودان وإن كانت الحكومة تسعى لمبادرات سلام على غرار ما حدث مع الجنوب، وإن كانت بروتوكولات الاتفاقات جعلت التفكك هو الأرجح، فالكثيرون من المفاوضين عن المناطق السودانية التي تعاني النزاع "جيء بهم" ولديهم أفكار مسبقة لفرضيات كثيرة على رأسها الحكم الذاتي أو الانفصال عن جسم الدولة عاجلا أو آجلا، لقد كان الحفاظ على وحدة السودان أضعفها، وأوسطها علاقة فيدرالية ما، وهذا ما يحدث أيضا في العراق، وما يسعون لفعله في القرن الأفريقي.
والوسائل في ذلك كثيرة نرى أن أقواها أثرا تقديم المساعدات الإنسانية" غذائية - علاجية - تعليمية - تنموية " من قبل الكنائس المختلفة، وبأساليب "غزو ناعم" ، فقد دأبت أمريكا على ضغطا على مجلس الأمن لإدخال قوات أممية للسودان، وسعت لتهويل ما يحدث من تداعيات للصراع الذي لا يزال مشتعلا، وهو تسعى طوعية هيئات محايدة لإثباته متعاونة مع الحكومة السودانية، ولا تنكر الحكومة وجود تجاوزات خطيرة، بل تعاملت معها بإحالة الجناة إلى القضاء السوداني، مع رفض الحكومة تسليم هؤلاء الجناة للمحاكمة خارج السودان لما في ذلك من المساس بسيادة الدولة.
كان التدخل في الشأن السوداني لأهداف إستراتيجية - كما ذكر الدكتور "محمد الأمين دفع الله" مسؤول صندوق إعمار جنوب السودان سابقاً - أن التدخل الأجنبي الذي تسعى أمريكا ودول أوروبية للقيام به في دارفور تحت غطاء الأمم المتحدة له أهداف أخرى تتمثل في السعي لتنصير هذه المنطقة الاستراتيجية والسيطرة على مقدراتها. فأمريكا تريد أن تستعبد العالم الإسلامي - كما ذكر " الأمين " وتريد ايضا أن تفصل العالم المسلم الإفريقي عن باقي القارة الإفريقية خوفاً من انتشار الدين الإسلامي في المنطقة وساعدتها الصهيونية العالمية.
وأكد الدكتور "الأمين" أنه لا يوجد أي داع لهذا التدخل الأممي، وإن كانت قبلت السودان قوات أفريقية تحت مظلة الأمم المتحدة لدعم حماية المعونات، لأن النزاع في دارفور يعد قضية داخلية، والسودان يسعي مع جيرانه وأصدقائه لحلها عن طريق الحوار - كما استجاب لدعوة خادم الحرمين لإرساء اتفاق سلام في مايو 2007 مع الدولة الجارة تشاد - وكما حدث من قبل في حل قضية الجنوب التي تعقدت لأكثر من عشرين عاماً والتي كانت أشد تعقيدا أكثر من قضية دارفور.
تنبع غرابة قضية دارفور أن المشكلة تفاعلت بطريقة غير مفهومة وسريعة وبشكل مريب، ويدلل على ذلك التسارع في القرارات كما صرح "جون دانفورث" مندوب واشنطن لدى الأمم المتحدة عقب صدور قرار مجلس الأمن الذي تُبُني بغالبية 13 صوتاً في العام 2004 م للقرار الذي قدمته الولايات المتحدة وبريطانيا والذي أمهل الحكومة السودانية مدة 30 يوماً لتسوية أزمة دارفور، وإلا واجهت عقوبات دولية في حال عدم الوفاء بالتزاماتها خلال المهلة الزمنية المذكورة والحشد الدولي التي تتبارى فيه أمريكا، وفرنسا وبريطانيا عن طريق تشاد وتبارى المسؤولون في أوروبا وأمريكا في التصريحات والقدوم على المنطقة والإدلاء بما في جعبتهم، وتجييش الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة لإيجاد موطئ قدم لها.
واحتار المراقبون وانقسموا: لماذا يحدث ما يحدث؟ هل ما يجري بالفعل من قبيل الإغاثة والتعاطف مع مشكلة إنسانية، أم هو جزء من مخطط الشرق الأوسط الكبير؟..... هل هو تنافس على الثروات من نفط ويورانيوم وغيره، أم هي رغبة منظمات تنصيرية تريد تغيير عقيدة منطقة سلمت قيادها للإسلام منذ قرون طويلة؟
ولكن هناك أيضاً من يفسر ما جرى على أنه ميدان آخر للتنافس الفرنسي الأمريكي على مناطق النفوذ والثروات في أفريقيا، هذا السؤال يشغل بال كثير من المحللين، وقد عبر عن هذه الحيرة وزير الخارجية السوداني "مصطفى عثمان إسماعيل"، وإن كان لا يميل إلى القول بأن هناك تدخلا دوليا بقيادة أمريكية في السودان .
ولمعرفة حقيقة التهديدات الأمريكية والدور الأمريكي في هذه الأزمة لا بد من تتبع أهداف السياسة الأمريكية في العالم، ومن ثم الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط واستراتيجيتها في أفريقيا؛ حيث تتقاطع الاستراتيجيتان في السودان، ومن ثم يمكن عن طريق ذلك محاولة استكشاف القوانين التي تجري عليها الأمور في هذا البلد، كما يمكن محاولة تتبع مسار المشكلة مستقبلاً.
هناك بعد استراتيجي غربي صهيوني ويعمل الجميع على تنفيذه، ويجد الآن ضالته في حال ضعف العالم الإسلامي والعربي، والانفراد الأمريكي بحكم العالم، مع مساندة الدول التي تسمى ب- "العظمى" لتنفيذ المخطط الصهيوني.
وليست مفاجأة أن تتسلل منظمات التنصير إلى مناطق الأزمات ومنها دار فور، تحت غطاء طلقات الرصاص وأعمال العنف المتبادل بين متمردي الإقليم - والراغبين بإيعاز غربي في فصل جزء من الجسد السودان الذي يشكل خُمس مساحته - وبين القوات الحكومية السودانية، وبدأت تركيز جهودها، خاصةً في مخيمات اللاجئين الذين شردتهم الحرب، حتى إن عدد منظمات التنصير في الإقليم وصلت إلى نحو 30 منظمة، تعمل تحت ستار المنظمات الإنسانية.
وقد أعلنت منظمة Caritas "كاريتاس" العالمية الكاثوليكية صراحةً أنها تستهدف 125 ألف مسلم في دارفور، وهو الإقليم الذي لا توجد به كنيسة واحدة، ونسبة المسلمين فيه 100%.
وزعم "دونكان ماكلارين" - أمين عام المنظمة أن هناك مليون شخص في "دارفور" معرَّضون للموت، وفي حاجة إلى الحماية، وهذا العدد الضخم يعد صيداً سهلاً لمنظمات التنصير، واعترفت "هيئة المعونة النرويجية الكنسية" بأنها ترعى أكثر من 45 ألف لاجئ من دارفور، في ثلاثة معسكرات في تشاد، وبالطبع يخضعون لسيل من الأفكار التنصيرية.
التعليقات
إرسال تعليقك