التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
كيف بدأ سقوط الأندلس من أيدي المسلمين، وما الحروب التي قام بها الإسبان، وما العوامل التي ساعدتهم على ذلك؟!
كانت واقعة وادي لكة في (رمضان سنة 92هـ = يوليو سنة 711م) نصرًا حاسمًا لجيوش الإسلام الظافرة، مهَّدت للمسلمين السيطرة الشاملة على سائر أنحاء شبه جزيرة إبارية، باستثناء منطقة جبليَّة تقع في أقصى الشمال الغربي من قنطابرية على خليج بسكاية، كانت تُعرف عند العرب باسم صخرة بلاي، فرَّت إليها جماعةٌ من القوط وبقايا الأيبيريِّين الرومان وأقاموا بها زمنًا ينتظرون أن تواتيهم الفرصة ليجمعوا شملهم، ويستردُّوا وطنهم، واستهون المسلمون أمرهم، فتركوهم وشأنهم، وانصرفوا هم إلى منازعاتهم الداخليَّة، ولم يدرِ هؤلاء الفاتحون أنَّه من هذه المنطقة الجبليَّة انطلقت أوَّل الحركات المناهضة للإسلام في الأندلس (إسبانيا)، التي كانت تهدف إلى استرداد البلاد وتحريرها من الحكم الإسلامي.
وجاءت اللحظة التي انقسم فيها المسلمون على أنفسهم، ودبَّت في صفوفهم عوامل الخلاف والفرقة، فثار البربر على العرب، وهجروا المناطق الجبليَّة الباردة التي تركها لهم العرب في أقصى الشمال، وانحدروا نحو الجنوب الذي اختصَّ به العرب دونهم حيث الخصب والدفء والحياة.
وهنا شرع القوط وبقايا الأيبيريِّين الرومان في استغلال الفرصة، وخرجوا من كهوف الجبال، وأخذوا يحتلُّون الأراضي التي تركها البربر وراءهم، وتمَّ ذلك على نحوٍ تجاوز كلَّ تقديرٍ في الحسبان، دون أن يتنبَّه المسلمون لحركتهم؛ لانصرافهم إلى خصوماتهم القبليَّة ومنازاعتهم العنصريَّة، وقويت بذلك شوكة نصارى إسبانيا في الشمال، وتكاثرت أعدادهم، وثبتت أقدامهم، وعزموا عزمًا أكيدًا على استرداد وطنهم.
وهنا تنبَّه المسلمون إلى الخطر الجاثم، وأعلن ولاتهم الجهاد لمدافعة النصارى، والوقوف أمام حركتهم التي كانت ترمي إلى طرد المسلمين من الأندلس. ولكن تنبُّههم جاء متأخِّرًا، بعد أن انتصر بلاي وأصحابه على جيوش المسلمين بقيادة ابن علقمة اللخمي في كوفادونجا Covadonga أو مغرة أونجا، وانهزمت جيوش المسلمين هزيمةً نكراء، وقُتِل ابن علقمة اللخمي، وارتدَّ المسلمون إلى استرقة، وتقدَّمت جيوش بلاية واستردَّت ما كانت قد فقدته من قبل أيَّام عقبة بن الحجَّاج السلولي والي الأندلس ما بين عامي (116- 121هـ = 734-739م).
ويعتزُّ الإسبان بهذه الموقعة، ويجعلونها بدايةً موفَّقةً لحركة المقاومة المسيحيَّة في شبه الجزيرة، تلك الحركة التي انتهت بإعادة البلاد إلى النصرانيَّة بعد مضي ثمانية قرون من صراعٍ مرير.
وهكذا نجح بلاية في تأسيس مملكة أشتوريش الصغيرة التي كانت إيذانًا بمولد الإمارات المسيحيَّة في شمال الأندلس، واتَّسعت مملكة أشتوريش الصغيرة، وأخذت تضمُّ إليها المناطق الشاسعة التي هجرها المسلمون منذ ثورة البربر التي أجلوا فيها العرب من جليقيَّة واسترقة والمدن الواقعة خلف الجبال، وانتهزوا الفتنة التي حدثت بين أبي الخطار وثوابة بن سلامة الجذامي، وضمُّوا المناطق التي هجرها سكانها المسلمون في ليون وسمورة وشلمنقة وشنت مانكش وشقوبية وآبلة وغيرها.
وتمَّ ذلك على يدي الملك ألفونسو الأول (739_757م) الذي يُسمِّيه العرب أذفونش بن بطرة، ويُسمِّيه لسان الدين بن الخطيب بالقاطوليقي أي الكاثوليكي، وأصبحت منطقة الثغور -أي الحدود- التي تفصل ملك المسلمين عن ملك النصارى قبل تأسيس دولة بني أمية في الأندلس تبدأ من بنبلونة في الشمال الشرقي، وتنحدر إلى تطيلة، ثم وادي الحجارة، ثم هنارس، ثم طليطلة، ثم طلبيرة، ثم قورية، وتنتهي عند قلمرية.
المصدر: تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس، من الفتح العربي حتى سقوط الخلافة بقرطبة، الدكتور السيد عبد العزيز سالم، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت 1998.
التعليقات
إرسال تعليقك