التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
معركة سلانكامين، هي معركة دارت أحداثها بين التحالف الأوروبي والدولة العثمانية، لاح فيها النصر للعثمانيين أولًا، غير أنهم تقهقروا وتفرقوا فسقطت رايتهم
بينما كان طائر النصر يُرفرف على رءوس العثمانيِّين في معركة سلانكامين ضدَّ الأوروبِّيِّين، إذ فجأةً تنقلب الأمور ويتغيَّر سَيْر المعركة، ويتعرَّض العثمانيُّون للهزيمة بقيادة الصدر الأعظم مصطفى باشا كوبريللي.
أحداث ما قبل معركة سلانكامين
في سنة (1098هـ= 1687م) ارتقى عرش الدولة العثمانية السلطان سليمان الثاني، وكانت الدولة العثمانيَّة حينذاك تعيش أوقاتًا عصيبةً في الداخل والخارج؛ ففي الداخل كانت قوَّات الإنكشارية والسباهيَّة تقوم بحالة عصيانٍ بحجَّة وجوب تبديل بعض المسئولين، أمَّا في الخارج فقد انتهز الأعداء هذه الاضطرابات الداخليَّة وهجموا على الدولة العثمانية من جهاتٍ أربع؛ حيث تحالف كلٌّ من ألمانيا والنمسا وروسيا والبندقية، وهجموا بجيوشهم على الدولة العثمانية[1]، وسوف نتحدَّث خلال سرد أحداث المعركة عن هذا التحالف باسم النمسا أو الجيش النمساوي.
أمام هذه المشاكل العصيبة عيَّن السلطان سليمانُ الثاني فاضلَ مصطفى باشا كوبريللي صدرًا أعظم للدولة العثمانية في سنة (1101هـ= 1689م)، ولأنَّ مصطفى كوبريللي هذا كان عازمًا على التوجُّه إلى ميدان القتال بنفسه[2]، التفت أوَّلًا إلى الأحوال الداخليَّة فأحسن نظامها وقوَّى بنيانها، ثم جهَّز جيشًا عظيمًا قاده بنفسه[3]، ولم يتردَّد في أخذ الراية والإسراع إلى الجبهة النمساوية[4]، واستردَّ بالفعل في وقتٍ قليل مدن نيش، وودين، وسمندرية، وبلجراد في سنة (1101هـ=1690م)[5]، وكانت هذه المدن سقطت في يد النمسا في عامي (1099هـ- 1100هـ= 1688- 1689م)[6]، وبذلك أعاد كوبريللي بعض ما فقدته الدولة العثمانية، ثم رجع إلى إسطنبول فاستقبله السلطان سليم الثاني مهنِّئًا له بالنصر[7].
المسير إلى معركة سلانكامين
في 14/6 / 1691م[8]، جهَّز مصطفى كوبريللي جيشًا أكبر من السابق[9]، وسار من أدرنة في حملته الثانية إلى ألمانيا، وقد تُوفِّي السلطان سليمان الثاني في 22/ 6/ 1691م؛ أي بعد خروجه بثمانية أيام، وقد غادر مصطفى كوبريللي أدرنة وهو يعلم أنَّ السلطان سليمان الثاني على فراش الموت، لكنَّه لم يرغب في تأخير مسيرته وتفويت الموسم[10]، فأرسل إليه السلطان أحمد الثاني الذي تولَّى بعد سليمان الثاني فرمانًا بإبقائه كصدرٍ أعظم[11]، أمَّا الجيش النمساوي فكان تحت قيادة ماركيز بادن علىى بُعد خمسين كيلومترًا شمال غرب بلجراد، وكان عدد هذا الجيش مائة ألف جنديٍّ من المشاة والخيَّالة، بالإضافة إلى بعض الوحدات الأخرى[12].
أحداث معركة سلانكامين
وصل الجيش العثماني إلى سلانكامين (صلانقمين) لملاقاة جيش ماركيز بادن (لودفيج) الذي كان قادمًا من وارادين[13]، بدأت المعركة الميدانيَّة عصرًا بإطلاقات المدافع المتبادلة بين الطرفين في (ذي القعدة سنة 1102ه= 19/ 8/ 1691م)، وكان النمساويُّون في البداية متردِّدين في الهجوم خوفًا من الهزيمة، فحفَّز تردُّدهم هذا مصطفى كوبريللي الذي لم ينتظر وصول باقي جيشه الذي كان يبعد عن مكان المعركة مسافة سبع ساعات، فأشهر سيفه وتقدَّم في الصفِّ الأول لتشجيع جيشه وتحقيق نتيجةٍ حاسمة[14].
التحم الفريقان وخلال ساعاتٍ أخذت صفوف الجيش النمساوي في الانحلال والتراجع، وأزاح العثمانيُّون خصومهم من مواقعهم، وتقدَّموا حتى ضربوا قلب الجيش النمساوي، وبينما كان طائر النصر يُرفرف على رءوس العثمانيِّين، إذ أُصيب الصدر الأعظم مصطفى كوبريللي برصاصةٍ أدَّت إلى حتفه، فصاح أحد الموجودين حوله مناديًا باستشهاده، فلمَّا شاع خبر وفاته بين الجنود العثمانيِّين تقهقروا وتفرَّقوا، وانحلَّت القوَّات العثمانيَّة وبدأت في الانسحاب، فلمَّا شاهد القائد النمساوي ماركيز بادن تغيُّر الوضع، جمع فِرَقَه المبعثرة وشرع في الهجوم، وسيطر على زمام المعركة، لكنَّه لم يتمكَّن من العثمانيِّين[15].
نتائج معركة سلانكامين
تعرَّض العثمانيُّون في هذه المعركة للهزيمة[16]، واستُشهد منهم خمسة آلاف جنديٍّ تقريبًا، بالإضافة إلى أنَّهم فقدوا عددًا كبيرًا من المدافع التي استولى عليها الجيش النمساوي، غير أنَّ استشهاد مصطفى كوبريللي كان خسارةً كبيرةً تفوق خسارة الحرب، والتي لا يُمكن تعويضها[17]، وعلى الرغم من ذلك استطاع خليل باشا الذي تولَّى القيادة بعد مصطفى كوبريللي إرجاع الجيش العثماني بحالةٍ منتظمةٍ إلى بلجراد[18].
أمَّا الجيش النمساوي فقد تكبَّد خسائر جسيمة؛ فقد خسروا أربعين ألف جندي، بالإضافة إلى أربعةٍ من قادة الجيش[19]، وكانت هناك -أيضًا- في نهر الطونة على بعد ستِّ ساعاتٍ من المعركة ثمانمائة سفينة نقلٍ نهريَّة تحمل العتاد والمهمَّات للجيش النمساوي، فهاجمتها القوَّات العثمانيَّة وأحرقتها عن آخرها، وقيل: إنَّه أُغْرِق قسمٌ منها وأُسِر القسم الآخر[20]، ولمـَّا بلغ السلطان أحمد الثاني خبر استشهاد مصطفى كوبريللي غمَّ لذلك، وعيَّن مكانه علي باشا عربجي، وأخذت الدولة في إعداد الجيوش وتجنيد الجنود لعزمها على مُنَاصَبَة العدوِّ القتال مرَّةً أخرى[21].
[1] أحمد آق كوندز، سعيد أوزتورك: الدولة العثمانية المجهولة، وقف البحوث العثمانية، إستانبول، 2008، ص327، 328.
[2] أحمد آق كوندز، سعيد أوزتورك: الدولة العثمانية المجهولة، ص328، 329.
[3] إسماعيل سرهنك: حقائق الأخبار عن دول البحار، مطابع الأميرية، بولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1312هـ، 1/ 606.
[4] أحمد آق كوندز، سعيد أوزتورك: الدولة العثمانية المجهولة، ص329.
[5] محمد فريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1401هـ= 1981م، ص306، ومحمد سهيل طقوش: تاريخ العثمانيين، دار النفائس، الطبعة الثالثة، 1434هـ= 2013م، ص283.
[6] محمد فريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص305، وإسماعيل سرهنك: حقائق الأخبار عن دول البحار، 1/ 606، ومحمد سهيل طقوش: تاريخ العثمانيين، ص282.
[7] محمد فريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص306، 307، وأحمد آق كوندز، سعيد أوزتورك: الدولة العثمانية المجهولة، ص329.
[8] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة عدنان محمود سليمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، تركيا، إستنابول، 1/ 1988، 1/ 564.
[9] جون باتريك كينروس: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية: ترجمة: ناهد إبراهيم الدسوقي، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، ص388.
[10] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/ 564.
[11] إسماعيل سرهنك: حقائق الأخبار عن دول البحار، 1/ 607.
[12] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/ 565.
[13] جون باتريك كينروس: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية، ص388.
[14] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/ 565، 566، وأحمد آق كوندز، سعيد أوزتورك: الدولة العثمانية المجهولة، ص330.
[15] إسماعيل سرهنك: حقائق الأخبار عن دول البحار، 1/ 607، ويلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/ 565، 566.
[16] روبير مانتران: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: بشير السباعي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1993م، 1/377.
[17] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/ 566.
[18] إسماعيل سرهنك: حقائق الأخبار عن دول البحار، 1/ 607.
[19] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/ 566.
[20] إسماعيل سرهنك: حقائق الأخبار عن دول البحار، 1/ 607، ويلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/ 565.
[21] إسماعيل سرهنك: حقائق الأخبار عن دول البحار، 1/ 607.
التعليقات
إرسال تعليقك