ملخص المقال
من أروع وألزم صفات الأمام أبو حنيفة حسن الخلق، ولا غرو فهو من أعلم الناس بالسُّنَّة، وأفهمهم لما يُثَقِّل الموازين.![هذه الأخلاق صنعت أبا حنيفة](http://books.islamstory.com/images/upload/content/1990514854هذه-الأخلاق-صنعت-أبا-حنيفة.png)
من أروع وألزم صفات الأمام أبو حنيفة حسن الخلق، ولا غرو فهو من أعلم الناس بالسُّنَّة، وأفهمهم لما يُثَقِّل الموازين، روى البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا»[1]، وروى الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ..»[2].
وصف الإمام أبو حنيفة
وصف شامل للإمام أبو حنيفة يصفه تلميذه، ومن أقرب الناس إليه، أبو يوسف الذي دَخَلَ على الرشيد يومًا ما فَقَالَ لَهُ هَارُونُ: صِفْ لِي أَخْلاقَ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: "كَانَ وَاللَّهِ شَدِيدَ الذَّبِّ عَنْ حَرَامِ اللَّهِ، مُجَانِبًا لأَهْلِ الدُّنْيَا، وَطَوِيلَ الصَّمْتِ دَائِمَ الْفِكْرِ، لَمْ يَكُنْ مِهْذَارًا وَلا ثِرْثَارًا، إِنْ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ عِنْدَهُ مِنْهَا عِلْمٌ أَجَابَ فِيهَا، مَا عَلِمْتُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلا صَائِنًا لِنَفْسِهِ وَدِينِهِ، مُشْتَغِلا بِنَفْسِهِ عَنِ النَّاسِ لا يَذْكُرُ أَحَدًا إِلا بِخَيْرٍ، فَقَالَ الرَّشِيدُ: هَذِهِ أَخْلاقُ الصَّالِحِينَ"، وعن محمد بن الحسن قال: كان أبو حنيفة واحد زمانه، لو انشقت عنه الأرض لانشقت عن جبل من الجبال في العلم، والكرم، والزهد، والورع.
ورع الإمام أبو حنيفة
ورع الإمام أبو حنيفة كان سمة مميزة: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: كَانَ شَدِيدَ الْوَرَعِ، هَائِبًا لِلْحَرَامِ، تَارِكًا لِكَثِيرٍ مِنَ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الشُّبْهَةِ، مَا رَأَيْت فَقِيهًا قطُّ أَشَدَّ صِيَانَةً مِنْهُ لِنَفْسِهِ ولعلمه، وَكَأنَّ جهازه كُله إِلَى قَبره، وقد وطئ على رجل صبي لم يره، فقال: يا شيخ أما تخاف القصاص يوم القيامة؟ فغشي عليه فلما أفاق قيل له: ما أشد ما أخذ قلبَك قولُ هذا الغلام؟ فقال: أخاف أنه لُقِّن.
زهد الإمام أبو حنيفة
كان الإمام أبو حنيفة زاهدًا في الدنيا، وله مفهوم خاص عن ذلك: عن ابن المبارك قال: قدمتُ الكوفةَ فسألتُ عن أزهد أهلها وأورعهم، فقالوا: أبو حنيفة، والزهد عند الإمام أبو حنيفة ليس بالثياب الرثَّة، ولكن زهده في قلبه، يقول حفيده عُمَر بن حماد بن أبي حنيفة: كان أبو حنيفة لبَّاسًا، حسن الهيئة، كثير التعطر، يُعرف بريح الطيب إذا أقبل، وإذا خرج من منزله قبل أن تراه، وروي أنه رأى على بعض جُلسائه ثيابًا رثة، فأمره، فجلس، حتى تفرق الناس، وبقي وحده، فقال له: ارفع المصلى، وخذْ ما تحته. فرفع الرجل المصلى، وكان تحته ألف درهم، فقال له: خذْ هذه الدراهم فغير بها من حالك. فقال الرجل إني موسر، وأنا في نعمة، ولستُ أحتاج إليها. فقال له: أما بلغك الحديث: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ»[3]، فينبغي لك أن تغير حالك، حتى لا يغتم صديقك.
كرم الإمام أبو حنيفة
كان الإمام أبو حنيفة واسع الكرم، ويتعهَّد أصدقاءه وجيرانه: قال الحسن بن سليمان: كان جوادًا، ما رأيت مثله، كان أجرى على أصحابه وظيفة كل شهر، ومع ذلك فكان يواسيهم في عامة الأيام.
وقد كَانَ لأبي حنيفةَ جارٌ بِالْكُوفَةِ إسكافي يعْمل نَهَاره أجمعَ حَتَّى إِذا أجنّه اللَّيْل رَجَعَ إِلَى منزله وَقد حمل لَحْمًا فيطبخه أَو سَمَكَة فيشويها، ثمَّ لم يزل يشرب حَتَّى إِذا دبّ فِيهِ غّرَّد بصوتٍ وَهُوَ يَقُول:
أضاعُوني وأيَّ فَتى أضَاعُوا … لِيَوْمِ كرِيهَةٍ وسِدَادِ ثَغْرِ
أي أنني فتى عظيم يصلح لأيام الحروب، وحماية الثغور
فَلَا يزَال يشرب ويردد هَذَا الْبَيْت حَتَّى يَأْخُذهُ النّوم، وَكَانَ أَبُو حنيفَة يسمع جَلبته كل ليلةٍ، ففقد أَبُو حنيفَة صَوته لَيْلَة، فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل: أَخذه العَسَسُ مُنْذُ لَيَال وَهُوَ مَحْبُوس. فصلَّى أَبُو حنيفَة الْفجْر وَركب بغلته وَاسْتَأْذَنَ على الْأَمِير، فَلَمَّا دخل قَالَ: لي جَار إسكافي أَخذه العَسَس مُنْذُ لَيَال يَأْمر الْأَمِير بتخلية سَبيله؟ فَقَالَ: نعم، وكل من أُخِذ تِلْكَ اللَّيْلَة. فتركوا أَجْمَعِينَ، وَخرج أَبُو حنيفَة والإسكافي يمشي وَرَاءه، فَلَمَّا نزل أَبُو حنيفةَ رَضِي الله عَنهُ مضى إِلَيْهِ وَقَالَ: يَا فتىَ أضعناك؟ فَقَالَ: لَا بل حفظتُ ورُعيتُ جَزَاك الله خيرًا عَن حُرمة الجِوار ورعاية الْحق وَتَابَ ذَلِك الرجل وَلم يعد إِلَى مَا مَكَان عَلَيْهِ.
اهتمام الإمام أبو حنيفة بأهل بيته ولا عمله:
كان الإمام أبو حنيفة لا يهمل أهل بيته، ولا عمله: قال يوسف بن خالد السمتي: «كان يوم السبت لحوائجه لا يحضر في المجلس، ولا يحضر في السوق، يتفرغ لأسبابه في أمر منزله وضياعه، وكان يقعد في السوق من الضحى إلى الأولى (الظهيرة، وكان يوم الجمعة له دعوة يجمع أصحابه في بيته، ويطبخ لهم ألوان الطعام.
حلم الإمام أبو حنيفة
وكان الإمام أبو حنيفة واسع الحلم: قال عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْلَمَ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ، كُنَّا جُلُوسًا مَعَهُ فِي مَسْجِدِ الْخِيفِ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَفْتَاهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «أَخْطَأَ الْحَسَنُ»، فَجَاءَ رَجُلٌ مُغَطَّى الْوَجْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الْفَاعِلَةِ، تَقُولُ أَخْطَأَ الْحَسَنُ! فَهَمَّ النَّاسُ بِهِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقُولُ أَخْطَأَ الْحَسَنُ وَأَصَابَ ابْنُ مَسْعُودٍ.
تواضع الإمام أبو حنيفة
كان الإمام أبو حنيفة شديد التواضع، وليس مغرورًا بعلمه الواسع: عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ زُفَرَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي حَنِيفَةَ: يَا أَبَا حَنِيفَةَ هَذَا الَّذِي تُفْتِي وَالَّذِي وَضَعْتَ فِي كُتُبِكَ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّهُ الْبَاطِلُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ.
قال حَجَرُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْحَضْرَمِيُّ: كَانَ فِي مَسْجِدٍ قَاصٌّ يُقَالُ لَهُ زُرْعَةُ، فَأَرَادَتْ أُمُّ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ تَسْتَفْتِي فِي شَيْءٍ فَأَفْتَاهَا أَبُو حَنِيفَةَ، فَلَمْ تقبل. وَقَالَت: لَا أقبل إِلَّا مَا يَقُول زُرْعَةُ الْقَاصُّ، فَجَاءَ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى زُرْعَةَ فَقَالَ: هَذِهِ أُمِّي، تَسْتَفْتِيكَ فِي كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ مِنِّي وَأَفْقَهُ. فَأَفْتِهَا أَنْتَ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: قَدْ أَفْتَيْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا. فَقَالَ زُرْعَةُ: الْقَوْلُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَرَضِيَتْ وَانْصَرَفَتْ.
وقد كان لا يغتاب أحدًا: عن بكير بن معروف: قلت له: الناس يتكلمون فيك ولا تتكلم أنت فيهم؟ فقال: هو فضل الله يؤتيه من يشاء».
صدق الإمام أبو حنيفة:
نُهي أبو حنيفة عن الإفتاء، وكان ابنه يسأل منه في الخلوة شيئا فلا يجيبه، فقال حماد: أنت بمكان لا يراك فيه أحد، فقال: أخاف أن يسألني السلطان هل أفتيت؟ فأخاف أن أقول لا.
أمانة الإمام أبو حنيفة
عن مليح بن وَكِيع قَالَ: قَالَ لي أبي: كنت عِنْد أبي حنيفَة فَأَتَت امْرَأَة بِثَوْب خَز فَقَالَت لَهُ بِعْهُ لي فَقَالَ بكم قيل لَك تبيعينه قَالَت بِمِائَة قَالَ هُوَ خير من مائَة حَتَّى قَالَ كم تَقُولِينَ فزادت مائَة حَتَّى قَالَت أَرْبَعمِائَة قَالَ هُوَ خير قَالَت تهزأ بِي قَالَ هَاتِي رجلا فَجَاءَت بِرَجُل فَاشْتَرَاهُ بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم[4].
[1] البخاري: كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل (5688).
[2] الترمذي: كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في حسن الخلق (2002)، قال أبو عيسى وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وأنس وأسامة بن شريك وهذا حديث حسن صحيح، وقال الألباني: صحيح، انظر: الألباني: صحيح الجامع الصغير وزيادته، 1/ 89.
[3] الحديث رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، الترمذي (2819)، وقال الألباني: حسن صحيح.
[4] لمشاهدة الفيديو على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك