ملخص المقال
كتب الله للمذهب الحنفي الانتشار في الأرض، فما زال قطاع كبير من العالم الإسلامي يدرس الفقه على طريقته، ويفتي في المسائل الدينية بما كان يفتي الإمام.
آثار أبي حنيفة وقصة انتشار مذهبه
كتب الله تعالى للمذهب الحنفي الانتشار في الأرض، فما زال قطاع كبير من العالم الإسلامي يدرس الفقه على طريقته، ويفتي في المسائل الدينية بما كان يفتي به الإمام، ولذلك أسباب نحاول أن نستقصيها في هذا المقال ومنها على سبيل المثال:
كتب أبي حنيفة:
لم يترك أبو حنيفة كتبًا كثيرة، حيث لم يكن زمانه زمان تأليف وتصنيف، فقد كانت معظم العلوم تنتقل عن طريق الرواية والحفظ، بل كان أبو حنيفة لا يقبل إلا بالحديث المحفوظ لا المكتوب، وكانت ملكة الحفظ عندهم كبيرة، وكانت هذه صفة مميزة لعظماء هذه الأمة حتى ذكرها الله تعالى في صفة علماء هذه الأمة؛ فقال: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49]، ووصفت أمة الإسلام في الكتب الأولى بأن: أَنَاجِيلهمْ فِي صُدُورهمْ.
بالإضافة إلى أن طريقة أبي حنيفة في التدريس كانت تستهلك وقتًا طويلًا، وكان يصرف وقتًا طويلًا في العبادة، ومن أشهر كتبه الفقه الأكبر، وهو كتاب في العقيدة في الردِّ على القدرية، والفقه الأوسط، وجُمعت الأحاديث التي رواها في كتاب مسند أبي حنيفة، وقد كُتِب بعد وفاته.
تلاميذ أبو حنيفة:
وقد ترك أبو حنيفة ما هو أهمُّ من الكتب؛ إذ ترك جيلًا من العلماء نقلوا مذهبه إلى الآفاق[1]:ومن بين هؤلاء وأشهرهم:
أبو يوسف القاضي (113-182هـ): هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، تفقه بالحديث والرواية، ولزم أبا حنيفة، فغلب عليه الرأي وولي القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد، ومات في خلافته، ببغداد، وهو أول من دعي قاضي القضاة، وهو أول من نشر مذهب الإمام أبي حنيفة، وأول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة.
محمد بن الحسن الشيباني (131هـ-189هـ): فقيه ومحدث ولغوي، وأحد ناشري المذهب، وعندما بلغ الشيباني عامه الـ 18، توفي أبو حنيفة بعدما درّس الشيباني لسنتين فقط، ودرس الشيباني بعدها عند أبي يوسف.
لم يقف أثر هؤلاء التلامذة على نشر المذهب لحنفي إنما أثروا في المذاهب الأخرى:
في المذهب المالكي: تعلَّم أسد بن الفرات على يد محمد بن الحسن الشيباني، وهو السبب في كتابة ما يسمَّى بالمسائل الأسدية.
وفي المذهب الشافعي: يعتبر الشافعي أحد أهم تلاميذ محمد بن الحسن، ولاحقًا اختلف الشافعي معه وألف "كتاب الرد على محمد بن الحسن"، وبالرغم من ذلك، بقي الشافعي يكنّ أشد الاحترام والإعجاب له، وقال في حقِّه: "أَمَنُّ الناس عليَّ في الفقه محمد بن الحسن".
أما في المذهب الحنبلي: قال أحمد بن حنبل: أول ما كتبتُ الحديث اختلفت إلى أبي يوسف فكتبت عنه، ثمّ اختلفتُ بعدُ إلى النّاس.
انتشار المذهب الحنفي:
هيأ الله تعالى ظروفًا عجيبة للمذهب الحنفي فكتب له الشيوع في أجزاء كبيرة من الأمة الإسلامية، (45% من الأمة الإسلامية) منها مثلًا ولاية أبي يوسف للقضاء في عهود المهدي، والهادي، والرشيد، ومن ثم صار يختار القضاة في الأمصار على مذهبه، فأينما كان هناك سلطان للدولة العباسية كان هناك انتشار للمذهب الحنفي، ووصل المذهب إلى وسط آسيا، وانتشر في أفغانستان، ومنها إلى الهند، وكذا إلى الأتراك، ومنها قيادة الأتراك للعالم الإسلامي متمثِّلة في السلاجقة ثم العثمانيين، ومن ثم فرض المذهب الحنفي في البلاد التابعة لهم، وهذا ساهم في ترسُّخ المذهب.
أمهات الكتب في المذهب:
أهم كتب المذهب ستة ألفها محمد بن الحسن الشيباني (توفى 189هـ) تلميذ الإمام أبي حنيفة: 1ـ الْمَبْسُوطُ 2ـ الزِّيَادَاتُ 3ـ الْجَامِعُ الصَّغِيرُ 4ـ الجامع الكبير 5ـ السِّيَرُ الصَّغِيرُ 6ـ الْسير الْكَبِيرُ، والْفَتْوَى إذَا اخْتَلَفَتْ كَانَ التَّرْجِيحُ لهذه الكتب، واختصرها وجمعها في كتاب واحد اسمه "الكافي" الإمام أبو الفضل محمد المروزي من علماء القرن الرابع الهجري.
العلماء الكبار في المذهب الحنفي:
1- أبو بكر السَّرَخْسي (توفى 483ﻫ): صاحب كتاب المبسوط، وهو من أجلِّ كتب الحنفية، ونادرًا ما يخالفونه، وفيه مقارنات مع مذهبي مالك والشافعي، وأحيانًا أحمد.
2- علاء الدين الكاساني (توفى 587هـ): صاحب بدائع الصنائع.
3- ابن عابدين (توفى 1252هـ) صاحب حاشية ابن عابدين.
أشهر كتب ترجمت لحياة الإمام أبو حنيفة:
الموفق المكي الخوارزمي (توفى 568هـ)، وابن البزاز الكردري الخوارزمي (توفى 827هـ)، والذهبي (توفى 748هـ)، وابن حجر (توفى 972هـ) (الخيرات الحسان).
أقوال بعض العلماء:
1. قَالَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ (توفى 187هـ)، وهو مِنَ المُحَدِّثين الثِّقات: «لا تَتَكَلَّمُنَّ فِي أَبِي حَنِيفَةَ بِسُوءٍ، وَلا تُصَدِّقَنَّ أَحَدًا يسيء الْقَوْلَ فِيهِ، فَإِنِّي -وَاللَّهِ- مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَلا أَوْرَعَ مِنْهُ، وَلا أَفْقَهَ مِنْهُ».
2. وقال يحيى بن سعيد القطان (يُسَمَّى أمير المؤمنين في الحديث) يقول: «لاَ نَكْذِبُ اللهَ، مَا [سَمِعْنَا] أَحْسَنَ مِنْ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ أَخَذْنَا بِأَكْثَرَ أَقْوَالِهِ».
3. وعن عُبَيد اللَّه بْن عَمْرو الجزري، قَال: قَال الأَعْمَش يَا نعمان يعني أَبَا حنيفة ما تقول فِي كذا قَالَ كذا قَال: مَا تقول فِي كذا قَالَ كذا قَالَ من أين قلت قَالَ أنت حدثتني عن فلان عَنْهُ فَقَالَ الأَعْمَش يَا مَعْشَر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة[2].
[1] (الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتب القرآن ولا السّنَّة في زمانه، إنما ترك جيلًا من الصحابة حمل الرسالة إلى الخلق جميعًا).
[2] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك