د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
كثيرًا ما يلوم المرء نفسه على خطأ بسيط وقع فيه أدى إلى كوارث قد تصل إلى الموت، ولكن يجب عليه أن يأخذ بكامل الأسباب ويعلم أن الحذر لن يغني من القدر.
كثيرًا ما يلوم المرء نفسه على خطأ بسيط وقع فيه أدَّى إلى كوارث قد تصل إلى الموت، ولكن يجب أن تأخذ بكامل الأسباب، لكن اعلم أن الحذر لن يغني من القدر، أحيانًا ترى حادثًا تقول: لم ينجُ منه أحد، فتجد الإصابات طفيفة، وأحيانًا ترى حادثًا بسيطًا للغاية، وأدَّى إلى وفاة، نحن في الجراحات نخاف من العمليات البسيطة أكثر من المعقَّدة.
العامة يقولون: ساعة القدر يعمى البصر
هل هذه المقولة صحيحة؟ في الواقع إنها صحيحة تمامًا، والذي قال معناها ابن عباس حبر الأمة، ومن خلال قصة طريفة سردها عن سليمان عليه السلام، ودار بعدها حوار مع أحد الخوارج قيلت فيه هذه الجملة، روى الحاكم، وصحَّحه، وقال الذهبي على شرط البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: «كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ يُوضَعُ لَهُ سِتُّ مِائَةِ أَلْفِ كُرْسِيٍّ، ثُمَّ يَجِيءُ أَشْرَافُ الْإِنْسِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِمَّا يَلِيهِ، ثُمَّ يَجِيءُ أَشْرَافُ الْجِنِّ حَتَّى يَجْلِسُوا مِمَّا يَلِي الْإِنْسَ، ثُمَّ يَدْعُو الطَّيْرَ فَيُظِلُّهُمْ، ثُمَّ يَدْعُو الرِّيحَ فَتَحْمِلُهُمْ، فَيَسِيرُ فِي الْغَدَاةِ الْوَاحِدَةِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ.. {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12] فَبَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ فِي فَلَاةٍ إِذِ احْتَاجَ إِلَى الْمَاءِ فَجَاءَ الْهُدْهُدُ فَجَعَلَ يَنْقُرُ الْأَرْضَ فَأَصَابَ مَوْضِعَ الْمَاءَ، فَجَاءَتِ الشَّيَاطِينُ فَسَلَخَتْ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ كَمَا تَسْلُخُ الْإِهَابَ فَأَصَابُوا الْمَاءَ».
فَقَالَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ (من الخوارج): يَا وَقَّافُ (قِفْ قِفْ)، أَرَأَيْتَ الْهُدْهُدَ كَيْفَ يَجِيءُ فَيَنْقُرُ الْأَرْضَ فَيُصِيبُ مَوْضِعَ الْمَاءَ وَهُوَ يَجِيءُ إِلَى الْفَخِّ وَهُوَ يُبْصِرُهُ حَتَّى يَقَعَ فِي عُنُقِهِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «إِنَّ الْقَدَرَ إِذَا جَاءَ حَالَ دُونَ الْبَصَرِ»[1].
وفي رواية البيهقي: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «يَا وَقَّافُ، أَرَدْتَ أَنْ تَقُولَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا وَكَذَا وَقُلْتُ كَذَا وَكَذَا، قَاتَلَكَ اللَّهُ، إِنَّ الْبَصَرَ يَنْفَعُكَ مَا لَمْ يَأْتِ الْقَدَرُ، فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ حَالَ الْقَدَرُ دُونَ الْبَصَرِ».
قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11].
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} قَالَ: مَلَائِكَةٌ يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمَنْ خَلْفِهِ، فَإِذَا جَاءَ قَدَرُ اللَّهِ خَلَّوا عَنْهُ.
هل معنى هذا ألا نتداوى، ولا نأخذ الحذر؟
الترمذي وابن ماجه والحاكم عَنْ أَبِي خِزَامَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرَأَيْتَ أَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا، وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا، وَتُقًى نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ: «هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ»[2]. ورواه ابن حبان عن كعب بن مالك[3].
[1] الحاكم في المستدرك (3526).
[2] الترمذي: كتاب الطب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الرقي والأدوية (2065)، وقال هذا حديث حسن صحيح.
[3] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك