Short Description
After the victory of Gaza, the Islamic Army headed north along the Mediterranean coast, passing through great Muslim cities such as Ashkelon and Jaffa. What happened then on the way to ‘Ayn Jaaloot?
After the victory of Gaza, the Muslim army headed northwards alongside the Mediterranean coast, passing through such great Islamic cities as Ashkelon and then Yafa – we ask Allaah The Almighty to Liberate them as well as all the Palestinian territories from the filth of the Jews – and it is well-known, my brothers, that Tel Aviv was founded directly North of Yaafa. Qutuz and his army continued their advance northwards and came upon the west part of Tulkarm, then to Haifa and then Acre, the Muslim city that was occupied by the Crusaders.
Qutuz, May Allaah Have mercy upon him, camped in the gardens surrounding the Acre fortress, in the valley lying east of Acre. Then, the correspondences between Qutuz, May Allaah Have mercy upon him, and the Crusader emirs of Acre began, to confirm once again the previous agreements. Qutuz, May Allaah Have mercy upon him, sent a delegate from the Muslim emirs who entered the Acre Fortress and were received kindly by the Crusaders. Both parties confirmed the previous agreements, and there was more than one visit, until both parties felt assured about the stability of the circumstances. Then, Qutuz, May Allaah Have mercy upon him, decided to leave Acre and choose a suitable place for the expected important meeting between him and the Tatars.
When Qutuz, May Allaah Have mercy upon him, started to leave Acre, a Muslim emir who had taken part in the embassy to the Crusaders, suggested that since Acre was now in its weakest state, and the Crusader emirs were assured about the Islamic treaty, and unprepared to fight, then, should Qutuz turn against them, he might probably be able to overthrow the Acre Fortress and liberate the Islamic city from the Crusader occupation that had started one hundred and sixty-six years earlier. However, Qutuz, May Allaah Have mercy upon him, gave his decisive, strict and clear reply, saying: "We never betray treaties."
O Allaah! The vision is clear-cut in the eyes of Qutuz, May Allaah Have mercy upon him.
That is leadership which utilizes the real means of victory; and among those means is to follow the Conditions of Allaah The Almighty in every matter, be it significant or insignificant; and keeping the contracts, and not repealing the covenants that are from the very Laws of Allaah The Almighty. In confirmation of that, Allaah The Almighty Says (what means): {O you who have believed, fulfill [all] contracts.} [Quran 5:1]
Here, I would like to relate to the Jews, the Crusaders, the Tatars, and all the world, the Hadeeth of the Messenger of Allaah, sallallaahu ‘alayhi wa sallam, narrated by both Abu Daawood and At-Tirmithi, who renders it as Hasan Saheeh, on the authority of ‘Amr ibn ‘Abasah, May Allaah Be Pleased with him. He narrated that the Messenger of Allaah, sallallaahu ‘alayhi wa sallam, said: "Let the one, between whom and people there is a covenant, neither break nor change it whatsoever, until it terminates, otherwise, let him throw [their covenant] back to them, [putting himself] on equal terms."
You have only two ways: either to wait until the covenant terminates, or tell your enemies that you are going to break it for some reason. However, there is no place for treachery in the Islamic covenants.
That is indeed the religion of Islam, and that is the Sharee‘ah of Islam, and those are the laws of Islam, and those are the leaders of Islam.
stay tuned .................
******************************************
إلى عين جالوت
لقد انتصر المسلمون في غزة على التتار بقيادة ركن الدين بيبرس، ولو كان هذا الانتصار جزئيًّا أو مرحليًّا أو بسيطًا.
بعض المؤرِّخين يُهوِّنون جدًّا من شأن معركة غزة، حتى يتغافلها بعضهم تمامًا، والحق أنها كانت -في رأيي- من أهمِّ المواقع الحربية في تاريخ المسلمين، ليس لكثرة قتلى التتار، ولا لأهمية غزّة الإستراتيجية ولا لغير ذلك، إنما -في الأساس- لأنها عالجت الهزيمة النفسية عند المسلمين.
لقد رأى المسلمون بأعينهم أن التتار يفرُّون، وسقطت المقولة التي انتشرت في تلك الآونة، التي كانت تقول: «من قال لك أن التتار يُهزمون فلا تصدقه».
الآن من الممكن أن تصدقه.. هذه أول مرة يهزم فيها التتار منذ سنين طويلة.
لقد كان لموقعة غزة أثر إيجابي هائل على جيش المسلمين، وكان لها -أيضًا- أثر سلبي هائل على جيش التتار.
ولا يجب أن يستصغر المسلمون عملًا من الأعمال.
الهزيمة الحقيقية هي هزيمة الروح والنفس.. والانتصارات المرحلية اليسيرة -وإن كانت عسكريًا لا تمثل الكثير- تفيد كثيرًا في رفع الروح المعنوية للأمة.
الطريق إلى المعركة الحاسمة:
اتجه الجيش المسلم بعد انتصار غزة إلى ناحية الشمال وهم يسيرون بحذاء ساحل البحر الأبيض المتوسط ليمرُّوا على المدن الإسلامية العظيمة الواحدة تلو الأخرى، فمرُّوا على عسقلان ثم على يافا -نسأل الله أن يحررها وأن يحرر كل فلسطين من دنس اليهود-، ثم أكمل قطز والجيش المسلم طريقه في اتجاه الشمال، فمرَّ في غرب طولكرم، ثم وصل إلى مدينة حيفا، ثم اتجه شمالًا بعدها إلى عكا المدينة المسلمة المحتلة من قبل الصليبيين.
وعسكر قطز في الحدائق المحيطة بحصن عكا في السهل الواقع في شرق عكا، ثم بدأت المراسلات بين قطز وأمراء عكا الصليبيين للتأكيد على الاتفاقيات السابقة، وأرسل قطز وفدًا من الأمراء المسلمين، فدخلوا حصن عكا، وأحسن الأمراء الصليبيون استقبال المسلمين، وأكَّد الطرفان ما سبق الاتفاق عليه، وتكررت الزيارات غير مرَّة، واطمأن الطرفان على استقرار الوضع؛ ومن ثَمَّ عزم قطز على الرحيل من عكا واختيار مكان مناسب للِّقاء المهمِّ المرتقب بينه وبين التتار.
وعندما بدأ قطز في مغادرة منطقة عكا أشار عليه أحد الأمراء الذين قاموا بالسفارة بينه وبين الأمراء الصليبيين إلى أن عكا الآن في أشد حالات ضعفها، وأنهم مطمئنون إلى المعاهدة الإسلامية، وغير جاهزين للقتال، فإذا انقلب عليهم قطز فجأة فقد يتمكن من إسقاط حصن عكا، وتحرر المدينة الإسلامية بعد مائة وست وستين سنة من الاحتلال، فرد عليه قطز ردًا قاطعًا صارمًا واضحًا.. قال: «نحن لا نخون العهود!» [1].
هذه قيادة تأخذ بأسباب النصر الحقيقية.. ومن أسباب النصر الحقيقية اتباع شروط الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة، وحفظ العقود وعدم نقض المواثيق من صميم شرع الله عز وجل.
يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: 1].
وأنا أريد أن أنقل للصليبيين ولليهود وللتتار وللعالم أجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي وأبو داود، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فلا يَحُلنَّ عهدًا، وَلاَ يَشُدَّنَّهُ (أي لا يغيرن العهد بأي طريقة) حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ» [2].
فإما أن تنقضي مدة العهد، وإما أن تخبر أعداءك بأنك لسبب أو لآخر ستقطع العهد.. أما الغدر فلا مكان له في العقود الإسلامية.
هذا هو دين الإسلام.. وهذا هو شرع الإسلام.. وهذه هي قوانين الإسلام.. وهؤلاء هم قادة الإسلام.
وهكذا ترك قطز عكا، واتجه إلى الجنوب الشرقي منها ليبحث عن مكان يصلح للمعركة القادمة.
في هذه الأثناء كان كتبغا قد وصلته فلول جيش التتار الفارة من غزَّة ينقلون إليه تحركات الجيش المسلم، فغضب كتبغا غضبًا شديدًا لهزيمة حاميته العسكرية في غزة، وغضب أكثر؛ لأن هناك من المسلمين من يتجمع لقتاله، وكأنَّ الأصل أن المسلمين ليس لهم حق المقاومة، فإن قاوموا عدوهم كان هذا داعيًا لغضب كتبغا والتتار!
عقد كتبغا اجتماعًا استشاريًّا مع قادته، وحضر هذا الاجتماع الأشرف الأيوبي أمير حمص، واتخذ كتبغا قراره في هذا الاجتماع أن يتوجه بسرعة لحرب هؤلاء المتطرفين المسلمين الذين سيقوضون عملية السلام الدائرة بين كتبغا وبين الزعماء المسلمين.. ويهددون المباحثات التترية/ الإسلامية بالفشل.
وكان واضحًا أن حركة التتار في اتجاه المسلمين كانت بطيئة جدًّا؛ لأن قطز قطع معظم الساحل الفلسطيني من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله دون أن يدخل التتار حدود فلسطين أصلًا، مع أن المسافة بين سهل البقاع اللبناني حيث يعسكر جيش التتار والحدود اللبنانية الفلسطينية لا تزيد عن مائة كيلومتر، وهي مسافة تقطعها الجيوش عادة في يومين أو ثلاثة.
المهم أن قطز هو الذي بدأ التحرك للبحث عن المكان المناسب للمعركة، وبذلك يسجل نقطة مهمَّة لصالحه، ويستطيع أن يرتب جيوشه في وضع أفضل، ويختبر المنطقة، ويعلم طبيعتها وخباياها.
وتحرك كتبغا في اتجاه الجنوب بين جبال لبنان حتى دخل فلسطين من شمالها الشرقي غرب مرتفعات الجولان، ثم عبر نهر الأردن، ووصل إلى الجليل الشرقي، واكتشفت الاستطلاعات الإسلامية المنتشرة في المنطقة تحركات كتبغا، ونقلت الأخبار بسرعة إلى قطز الذي كان قد غادر عكا في اتجاه الجنوب الشرقي، فأسرع قطز باجتياز مدينة الناصرة، وتعمق أكثر في الجنوب الشرقي حتى وصل إلى منطقة تعرف بسهل عين جالوت [3]، وهي تقع في الوسط تقريبًا بين مدينتي بيسان في الشمال ونابلس في الجنوب، وهي بالقرب جدًّا من معسكر جنين الآن، وهي المنطقة التي ستدور فيها معركة من أهم المعارك في تاريخ الأرض، وسبحان الله فإن الأيام قد دارت وحدثت موقعة أخرى شريفة على أرض جنين بين المجاهدين الفلسطينيين وبين اليهود، وذلك في عام 2002 ميلادية، وزاد شهداء المسلمين فيها على خمسمائة بعد أن صبروا في قتالهم صبرًا عجيبًا.
ويقع سهل عين جالوت على مسافة 65 كيلومتر جنوب منطقة حطين التي دارت فيها الموقعة الخالدة حطين في سنة 583 هجرية قبل خمسة وسبعين سنة من وقعة عين جالوت، ويقع كذلك على مسافة نحو ستين كيلومتر إلى الغرب من منطقة اليرموك حيث دارت المعركة الخالدة بقيادة خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما ضد الروم منذ أكثر من ستة قرون.
وهكذا أسهمت هذه الذكريات في رفع الروح المعنوية للجيش الإسلامي إلى أقصى درجة.
وجد قطز سهل عين جالوت منطقة مناسبة جدًّا للمعركة المرتقبة؛ فهو عبارة عن سهل واسع منبسط تحيط به التلال المتوسطة من كل جوانبه إلا الجانب الشمالي فهو مفتوح.. كما تعلو هذه التلال الأشجار والأحراش، مما يوفر مخبأً مناسبًا جدًّا للجيش الإسلامي؛ فيسهل عمل الكمائن الكثيرة على جوانب السهل المنبسط.
ورتَّب قطز جيشه بسرعة.. فوضع على ناحية السهل الشمالية مقدمة جيشه بقيادة ركن الدين بيبرس، وجعلها في مكان ظاهر حتى يغري جيش التتار بالقدوم إليها، بينما أخفي قطز بقية الجيش خلف التلال والأحراش[4].
كان هذا الترتيب والإعداد في 24 من رمضان (658هـ= سبتمبر 1260م) في العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم.. الشهر الذي حدثت فيه الانتصارات الإسلامية الخالدة قبل ذلك.. مثل بدر وفتح مكة وفتح الأندلس...
انتظر المسلمون على تعبئة.. وعيونهم الاستخبارية تنقل أخبار كتبغا وجيش التتار، وقد اقتربوا جدًّا من سهل عين جالوت.
وجاء جيش كتبغا وقد امتلأ بالصلف والغرور والكبر تسبقه سمعته العالية في سفك الدماء وتخريب الديار وإفناء البشر.. وقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوًّا كبيرًا.. ومر الجيش غرب بيسان، وانحدر جنوبًا في اتجاه عين جالوت حيث كانت القوات الإسلامية قد أخذت مواقعها ورتبت صفوفها ووقفت في ثبات تنتظر الجيش التتري.
وبينما قطز في سهل عين جالوت إذا بأعداد غفيرة من المتطوِّعين المسلمين من أهل فلسطين يخرجون من القرى والمدن ليلتحقوا بالجيش المسلم، وقد تيقنوا أن حربًا حقيقية ستحدث قريبًا.
سبحان الله!
أين كان هؤلاء المتطوِّعون يوم جاءت فرقة تترية قليلة فاخترقت فلسطين من شمالها إلى جنوبها حتى احتلَّت مدينة من أواخر المدن في فلسطين: مدينة غزة؟!
كيف تحرَّك هؤلاء الآن إلى سهل عين جالوت؟
لماذا قعدوا قبل ذلك؟ ولماذا قاموا الآن؟!
الإجابة في منتهى السهولة:
إنَّها القدوة
هذه كلمة ذكرناها كثيرًا منذ أن تكلَّمنا عن قطز وعن جيشه الصادق.
هناك الكثير من المؤمنين الصادقين الذين يريدون خدمة الدين ورفعة الإسلام، لكنهم لا يجدون قدوة صالحة يقلدونها، أو قائدًا مخلصًا يتبعونه.. لقد ألِف هؤلاء البسطاء في فلسطين أن يروا قوادهم في الشام يعقدون الأحلاف المهينة مع التتار، ويفتحون لهم الحصون والديار، ويمدون لهم الجسور، ويمهدون لهم الطريق فلما جاء قطز ومن معه من المؤمنين الصادقين، وقطعوا هذا الطريق كله إلى أرض الموقعة، وهم يتقدمون في ثبات، لما رأوا كل ذلك تحمست قلوبهم، وخرجت العواطف الكامنة في صدورهم، وتحركت فيهم الحمية لهذا الدين، فهانت عليهم التضحية، وهان عليهم الجهاد.
نعم هؤلاء ليسوا كالجيش النظامي في قدراته ومهاراته، لكنهم متحمسون ومتشوقون إلى العمل في سبيل الله.. وهذه الحماسة تنفع كثيرًا في ميادين القتال.. كما أن قطز استخدمهم في سلاح الخدمات الخاص بالقوات الإسلامية، ووفَّر طاقة الجنود الذين كانوا يقومون بهذه الأعمال، واستخدم هؤلاء الجنود في العمليات القتالية بعد أن قام المتطوعون بدورهم.
وسلاح الخدمات يشمل نقل العتاد والمعدات، والاهتمام بشئون الطعام والشراب، وإمداد الجنود بالسهام والرماح، ورعاية الخيول، ونقل الجرحى ومداواتهم.. وهذه أعمال كثيرة تستنفد جهدًا ووقتًا، وهي وإن كان لا يشترط فيها كفاءة قتالية، ولا مهارة عسكرية؛ فإنَّ لها أهميَّةً قصوى في نجاح المعركة.. وهكذا استفاد قطز من كل طاقات المتطوعين الفلسطينيين.. وكل ميسر لما خلق له.
ثم إنه بالإضافة إلى هذه الأعمال فإن الجيش المسلم سيظهر في عيون الجيش الكافر أضعافًا مضاعفة، ولا شك أن هذا سيبث الرعب في قلوب الكافرين.. فتكثير سواد المسلمين أمر لا يُستهان به أبدًا.
وإلى جانب أولئك المتطوعين اجتمع الكثير من الفلاحين من القرى المختلفة ممن لا يستطيع قتالًا ولا خدمة، إما لكبر سن أو لعجز أو لمرض، واجتمع كذلك النساء والصبيان، واصطفوا بأعداد كبيرة على طرفي سهل عين جالوت، وقد علت أصواتهم بالتكبير والدعاء، وارتفعت صيحاتهم التشجيعية للقوات الإسلامية، وتحركت ألسنتهم وأيديهم وقلوبهم بالدعاء لرب العالمين أن ينصر الإسلام وأهله، ويُذل الشرك وأهله.
جند الله في جيش التتار!
وبينما هم كذلك جاء رجل من أهل الشام وهو يسرع المسير، ويطلب أن يقابل أمير القوات الإسلامية قطز ومن معه من بقية الأمراء، وقال إنه رسول جاء من قبل «صارم الدين أيبك» [5].
وصارم الدين أيبك هو أحد المسلمين الذين أسرهم هولاكو عند غزوه بلاد الشام، ثم قبل الخدمة في صفوف جيش التتار، واشترك معهم في مواقعهم المختلفة، وجاء معهم إلى موقعة عين جالوت، ولا ندري إن كان قد قبل التعاون مع التتار لرغبة في نفسه، أم قَبِل ذلك مضطرًا وهو يعد العدة لينفع المسلمين.. لا ندري هذا، فهذا بينه وبين الله عز وجل.
لكن ما نعلمه أنه قبيل موقعة عين جالوت قرر أن يخدم جيش المسلمين بقدر ما يستطيع! سبحان الله.. {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}[المدثر: 31].
رجل لا يعرفه قطز، ولا يعرفه أمراء الجيش الإسلامي، ولكن الله عز وجل وضعه في هذا المكان ليقدم للمسلمين خدمات جليلة.. والذي ساقه في ذلك التوقيت الفريد هو الذي ساق نعيم بن مسعود رضي الله عنه من قبل ليسلم في أثناء غزوة الأحزاب، وليكون سببًا رئيسيًا من أسباب نصر المسلمين!
ولنلاحظ تدبير رب العالمين: لما جاءت القوات الإسلامية إلى فلسطين، وتحرك كتبغا في اتجاه عين جالوت، أرسل صارم الدين أيبك ذلك الرسول إلى قطز ليخبره ببعض المعلومات المهمَّة جدًّا عن جيش التتار.
وقد نقل هذا الرسول إلى قطز المعلومات التالية:
أولًا: جيش التتار ليس بقوته المعهودة، فقد أخذ هولاكو معه عددًا من القادة والجند (وذلك عند ذهابه إلى تبريز بفارس)؛ فلم يعد الجيش على الهيئة نفسها التي دخل بها إلى الشام، فلا تخافوهم.
وكانت هذه معلومة في غاية الأهمية فعلًا؛ لأنها رفعت الروح المعنوية جدًّا عند من كان في قلبه خوف من التتار، فكانت هذه المعلومة المهمَّة شحنة قوية أمدت الجيش الإسلامي بطاقة عالية.
ثانيًا: ميمنة التتار أقوى من ميسرتهم، فعلى جيش المسلمين أن يقوي جدًّا من ميسرته والتي ستقابل ميمنة التتار.
ثالثًا: (وهو خبر مهم) أن الأشرف الأيوبي أمير حمص سيكون في جيش التتار بفرقته، ومعه صارم الدين أيبك، ولكنهم سوف ينهزمون بين يدي المسلمين.. أي أن الرسالة تقول أن الأشرف الأيوبي قد راجع نفسه، وآثر أن يكون مع جيش قطز، ولكنه خرج مع جيش التتار مكيدة لهم، وتفكيكًا لصفهم.
كانت هذه الأخبار في غاية الأهمية، وجاءت في وقت مناسب، ولكن الحكمة تقتضي ألا يعتمد المسلمون على هذه المعلومات، لأنها قد تكون خدعة من التتار أو من الأشرف الأيوبي أو من صارم الدين أيبك.
لذلك قال الأمراء بعضهم لبعض في حكمة بالغة، وخبرة عسكرية فائقة: «لا يكون هذا معمولية على المسلمين» [6]. يعني لا يكون هذا شيئًا عمله التتار ليخدعوا به المسلمين.
ومع ذلك أخذ المسلمون حذرهم، واستفادوا من هذه الأمور دون تفريط في إعداد، أو تهاون في الاحتياط والحذر.
وبذلك انتهى يوم الرابع والعشرين من رمضان.
وقضى المسلمون الليل في القيام والابتهال والدعاء والرجاء.
لقد كانت هذه ليلة من أعظم ليالي السنة لأنها في العشر الأواخر من رمضان.
بل إنها كانت ليلة وترية، ومن المحتمل أن تكون ليلة القدر.
غير أنها كانت كذلك ليلة من أعظم ليالي الدنيا لأنها الليلة التي تسبق يوم الجهاد، وفي صبحها سيكون لقاء عظيم يثأر فيه المسلمون لدماء الملايين من المسلمين التي سُفكت على أيدي هؤلاء التتار الهمج.
ترى كيف كانت أحاسيس قطز في هذه الليلة؟
أكاد أجزم أنها كانت قريبة من أحاسيس خالد بن الوليد رضي الله عنه في الليالي التي تسبق معاركه!
يقول خالد بن الوليد رضي الله عنه: «ما ليلة تزف إليّ فيها عروس - أنا لها محب - أو أبشر فيها بغلام، بأحب عندي من ليلة شديدة البرد، في سرية من المهاجرين، أصبّح بهم أعداء الله».
متعة حقيقية لا يشعر بها إلا المجاهدون حقيقة.
لا شك أن قطز كان يقضي هذه الليلة في محرابه يدعو الله عز وجل أن ينزل نصره على أوليائه، وأن يثبت أقدام المجاهدين.. لقد كانت هذه ليلة طال انتظارها.. فهذه ليلة كان يعد لها قطز منذ أن ارتقى عرش مصر وإلى الآن.
لقد اجتهد قطز كثيرًا في الزرع، وغدًا هو يوم الحصاد.
وما بقيت إلا ساعات قليلة ويحدث الصدام المروع بين أمة الإسلام وقوة التتار.
وفي المقال القادم ندخل إلى «أرض المعركة الفاصلة» إن شاء الله تعالى.
ونسأل الله عز وجل النصر الدائم للإسلام والمسلمين.
[1] بسام العسلي: المظفر قطز ومعركة عين جالوت ص 119-121.
[2] الترمذي: كتاب السير، باب ما جاء في الغدر (1580)، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (6480).
[3] بسام العسلي: المظفر قطز ومعركة عين جالوت ص122، 123.
[4] المرجع السابق.
[5] أحمد مختار العبادي: قيام دولة المماليك الأولى 1/164.
[6] أحمد مختار العبادي: قيام دولة المماليك الأولى 1/164، 165.
Comments
Send your comment