التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
المستشرقون وتاريخ الدولة الأموية، مقال يبرز دور الاستشراق في تشويه التاريخ الأموي، وأشهر هذه الشبهات التي أثارها جولدسيهر وبروكلمان وفلهوزن![المستشرقون وتاريخ الدولة الأموية](http://books.islamstory.com/index.php/images/upload/content/shape1.jpg)
يحسن في البداية أن نشير إلى الشكوك الواسعة التي تحيط بحركة الاستشراق ودوافعها نحو الاهتمام بالإسلام وأمته، ولا تعني بحال أن نغمط حقوق جماعة من هؤلاء المستشرقين كان البحث عن الحق رائدهم، وكان الدفع الذاتي عندهم يقف خلف ما ب1لوا من جهد وعناء، وقد انتهى ذلك ببعضهم إلى اعتناق الإسلام، ومنهم كرنكوف وليوبولد فايس وجرمانوس وغيرهم.
المؤثرات المنهجية في دراسة المستشرقين
غير أن معظم جهود المستشرقين فيما يخص التاريخ الأموي والتاريخ الإسلام بوجه عام قد خضعت لعدة مؤثرات منهجية، نحت بها إلى ما نجده في كتاباتهم التاريخية من تحامل على الأمويين وتاريخهم، ومن هذه المؤثرات المنهجية:
1- الاستشراق نشاط غربي:
فقد ظهر الاستشراق في بيئة غربية عن الإسلام، لها رؤيتها الحضارية الخاصة بها، فللغرب نظرته الخاصة إلى الدين، فيراه بعضهم صناعة بشرية لا دخل للسماء فيها، ويراه بعضهم قيمة روحية محدودة الأثر فيما بين الإنسان وربه، لا دخل لها بالسياسة والحكم والاقتصاد والإدارة، وللغرب نظرته للإنسان ونشأته وتأثيره، وقد أفرزت هذه الرؤى الغربية فلسفات خاصة كان لها نظرتها إلى الدين والإنسان والتاريخ، ومن أبزر هذه الفلسفات التي تركت أثرا على تناول المستشرقين وبعض تلامذتهم التاريخ الأموي فلسفة التاريخ المادي للتاريخ.
2- ارتباط الاستشراق بالاستعمار الغربي والتنصير
وقد ظهر ذلك عند تناول بعض المستشرقين الفتوحات الإسلامية، حيث بالغوا في أهمية الدافع الاقتصادي لها، وانتصار الإسلام كنتيجة للسيطرة العسكرية والقوة السياسية للأمويين، وصوروا علاقة المسلمين بالحكم الأموي على أنها علاقة بين المغلوب والمقهور، وانعكس ذلك على تناولهم قضية الموالي في الدولة الأمية.
3- قصور المعرفة الكافية بأحكام الإسلام
فبضاعة الكثير من المستشرقين قليلة في العلوم الشرعية، مما أثُر بصورة سلبية على تناولهم التاريخ الإسلامي، فأثاروا الكثير من الشبهات عن الدولة الأموية، وسيرة الخلفاء والولاة الأمويين وعلاقتهم بحركات المعارضة، التي كان يجب على باحثها الاطلاع على المباحث الفقهية الخاصة بالخروج على الجماعة في الإسلام.
نماذج من تناول المستشرقين التاريخ الأموي
تتسم كتابات المستشرقين بالأسلوب الفظ في تناولهم حياة كبار الصحابة، فضلا عن تطاولهم في الحديث عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم، فقد اعتمد المستشرقون في تهجمهم على الرموز الإسلامية على ما ذكره الروافض الشيعة والخوارج والشعوبيون، فقد وثّق بعض كبار المستشرقين البارزين هؤلاء الكذابين والضعفاء من الرواة، مثلما فعل فلهوزن حين وصف أبا مخنف لوط بن يحيى الأخباري الشيعي الكذاب بأنه (الحجة الكبرى)، ملقيا بكل إدانات علماء الجرح والتعديل له وراء ظهره [1]. وفلهوزن هو الذي وصف المغير بن شعبة رضي الله عنه بأنه كان دائم الكذب، في ين يصفه بروكلمان بأنه انتهازي لا ذمة له ولا زمام [2].
ويشكك فلهوزن في تديُّن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بأنه لم يكن لديه تعمق عميه بالإسلام [3]. ويصف فلهوزن عمرو بن العاص رضي الله عنه بأنه ألب على عثمان أخبث تأليب، إبان الثورة عليه، ويصف تحالفه مع معاوية رضي الله عنه بأنه "تحالف الصبية الأشقياء" [4].
ويتحدث سايكس عن الحسن بن علي –رضي الله عنهما- على هذا النحو ويصفه بأنه: "غير جدير بان يكون ابنا لعلي، ذلك الرجل العظيم فقد شُغل الحسن بملذاته بين نسائه .. وخاف أن يجرب جيشه في ميدان القتال" [5].
وتستمر هذه النغمة في التردد حتى تصل دعوى عريضة عندهم مفادها أنه: "مما لا ريب فيه أن بني أمية لم يكونوا متدينين ولا متظاهرين بالتقوى" [6].
وتتضح تأثيرات المصطلحات السياسية الغربية والتقسيم الطبقي للمجتمع هناك في تصوير الدولة الأموية ومجتمع بني أمية، فيتحدث نيكسون عن أن الموالي قد لقوا من "أسيادهم الأرستقراطيين معاملة كلها ذل وهوان"، بل يصف سايكس الأمويين بأنهم "الأرستقراطية الوثنية" [7].
وبالنسبة للتفسير المادي للتاريخ الأموي، تجيء محاولة بندلي جوزي متبنية له وشارحة، فهو يفترض الصراع بين العرب والموالي في الدولة الأموية كان صراعا طبقيا، فقد اشتعل الصراع بين طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء في حين أن حال الطبقات الوسطى من الأهالي أخذت تسوء في أواخر أيام بني أمية [8].
وأخيرا يقف قصور المعرفة بأحكام الإسلام وراء الخلل في بعض تحليلات المستشرقين، مثلما نجد عند فلهوزن الذي يبرر غضب المسلمين الورعين من مقتل حجر بن عدي على يد معاوية –رضي الله عنهما- بأن سبب ذلك الغضب "أن قتل المسلم لا يحل إلا إذا قتل مسلما آخر، أي أن النفس بالنفس" [9]، وفات الكاتب أو أغفل أن الحديث الشريف ينص على أنه "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة" [10]، وقوله- صلى الله عليه وسلم: "إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان" [11].
التيار المتأثر بالاستشراق
تأثر بعض الكتاب العرب والمسلمين بروح الاستشراق ومناهجه، ومن هؤلاء جورجي زيدان في كتابه تاريخ التمدن الإسلامي، وسيد أمير علي [12] في كتابه مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامي، وسوف نقتصر في حديثنا هنا عن جورجي زيدان، ففيه دلالة واضحة على ذلك بصورة كافية.
جورجي زيدان في كتابه تاريخ التمدن الإسلامي
كان جورجي زيدان من عائلة أرثوذكيسة هاجرت من بيروت إلى مصر عقب الاحتلال البريطاني [1861م - 1914م]، وكان وثيق الصلة بالاستعمار البريطاني، بل عمل في جهاز المخابرات البريطانية مترجما، ورافق الحملة البريطانية على السودان، وقد أشاد على الاستشراق ومدح المستشرقين كثيرا في كتبه.
ينظر جورجي زيدان إلى الأمويين على أنهم اغتصبوا الخلافة من أصحابها وأصحابها هم آل البيت، وأن معاوية رضي الله عنه نال الخلافة بالدهاء والتدبير، وطلبها كأصحاب المطامع بلا علاقة بالدين، ويرى كذلك أن عبد الملك بن مروان كان يتظاهر قبل خلافته بالتدين، فلما تولاها استهوته الدنيا، وقد ملأ كتابه بالشبهات والمزاعم الباطلة، كاستباحة جند الحجاج الكعبة وقتلهم الناس بعد قتل ابن الزبير –رضي الله عنهما، وأن جند يزيد لما دخلوا المدينة استباحوا دماء أهلها والقرآن تحت أرجلهم، ويتحدث عن الوليد بن يزيد بأنه سكير بني أمية، وأنه كان يرمي المصحف بالنبل والقوس، وقد كان معتمدا في ذلك على روايات العقد الفريد لابن عبد ربه والأغاني للأصفهاني وتاريخ المسعودي المتشيع [13].
[1] فلهوزن: الخوارج والشيعة، ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي، مكتبة النهضة المصرية، بدون تاريخ، ص179.
[2] فلهوزن: تاريخ الدول العربية، ترجمة الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، سنة 1958م، ص111، بروكلمان: تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة د: نبيه فارس ومنير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت سنة 1948م، 1/ 73.
[3] فلهوزن: تاريخ الدول العربية، ص129.
[4] فلهوزن: تاريخ الدول العربية/ ص130. محمد حلمي: الخلافة والدولة في العصر الأموي، ص93.
[5] نقله عنه الخربوطلي: تاريخ العراق، ص74- 75.
[6] جولدسيهر: العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة د. محمد يوسف موسى وآخرين، ط1/ القاهرة، سنة 1946م، ص70- 71.
[7] نقله عنه الخربوطلي: تاريخ العراق، ص158، حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام السياسي، 1/ 283.
[8] جوزي: من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام، دار الروائع، بيروت، بدون تاريخ، ص65.
[9] فلهوزن: الخوارج والشيعة، ص158- 159.
[10] رواه البخاري (ترقيم البغا 6484)، الترمذي في السنن (1402)، أحمد في المسند (3621).
[11] رواه مسلم في صحيحه (1852).
[12] سيد أمير علي: هو كاتب هندي شيعي، ولد عام 1849م، كان من كبار الحقوقيين وعمل قاضيا في محكمة البنغال العليا في عام 1904م، وتم اختياره كأول عضو هندي في اللجنة القانونية للمجلس الملكي البريطاني. راجع: حيدر بامات: مجالي الإسلام، 515- 519. أبو الحسن الندوي: المرتضى، 78- 79، حاشية 4.
[13] جورجي زيدان: تاريخ التمدن الإسلامي، تعليق: د. حسين مؤنس، دار الهلال، مصر 1958م، 4/ 63- 95.
المصدر: كتاب: الدولة الأموية المفترى عليها
د. حمدي شاهين
التعليقات
إرسال تعليقك