ملخص المقال
هل تعرض التاريخ الإسلامي لظلم في تدوينه؟ وهل يجب على المهتمين إعادة تصحيحه مما شابهه من الأخطاء؟ هذا ما يجيب عليه الأستاذ مجاهد الجندي
التاريخ الإسلامي تعرض للظلم ولابد من إعادة كتابته مرة أخرى.
التحاور بإخلاص هو السبيل الوحيد لتلاقي الحضارتين العربية والغربية.
يجب ضبط خريطة الثقافة والإعلام لمعالجة الخلل الواقع في مجتمعاتنا حاليًا.
"التاريخ الإسلامي تعرض لظلم في تدوينه، ولابد من إتاحة الفرصة لكتابته مرة أخرى كما ينبغي"... هذا ما يؤكد عليه المؤرخ الإسلامي وأستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر د. مجاهد توفيق الجندي، والذي أوضح في حديثه لـ "الوعي الإسلامي" أنَّ المؤرخ الذي يتمسك بمصداقيته قد يتعرض لضغوط شديدة للحيلولة دون تدوينه الحقيقة، وأوضح أنَّ المستشرقين لعبوا دورًا سلبيًا في التأريخ بإظهار التفكك الإسلامي، وكثير من الشوائب التي تضر بتاريخ المسلمين ..
وإلى تفاصيل الحوار .
التأريخ مهمة جليلة في حضارة الإسلام .. كيف ترى مكانته في الوقت الحالي؟!
المؤرخ الإسلامي اختلف حاله الآن عمَّا كان عليه في العصور السابقة، فقديمًا كان عليه أن يرتحلَ إلى الأماكن، ويتعرض للمخاطر والأهوال في ظل عدم وجود مواصلات إلا السفن والجمال والخيول، أمَّا الآن فاختلفت الظروف، وأصبحت الوسائل أكثر يسرًا، فالانتقال للوقوف على الأحداث والوقائع يتم من خلال وسائل الاتصال والمواصلات الحديثة، لكن وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهها المؤرخون القدامى نجد أنهم تركوا لنا رصيدًا ضخمًا من التاريخ الإسلامي، ومعرفة البلدان، وطرق المعيشة، وحياة السكان وأمورهم الحياتية.
والمؤرخ اليوم لا ينبغي أن يقتصر على مجال تخصصه الدراسي فحسب؛ بل مِن المهم أيضًا أن يكون على درايةٍ كافيةٍ بعلوم أخرى، مثل: "علم الأجناس البشرية، والنَّفْس، والاجتماع، والقانون، وغيرها .."
غير أنَّ أهم ما ينبغي أن يتحلى به المؤرخ هو الأمانة في نقله للحدث التاريخي، وللأسف الشديد هناك بعض المؤرخين يميلون إلى إرضاء السلطة، ولا يكتبون التاريخ الحقيقي للواقع كما ينبغي أن يكون.
هل يعني ذلك أنَّ التاريخ ظُلِم؟!
بالطبع، التاريخ ظُلِم بسبب بعض المؤرخين الذين يميلون مع السلطة، ويتركون الحقائق مقابل حِفنة من المال، أو لأهواء شخصية.
كما ظُلِم مِن الدول نفسها؛ لأنها لا تُفرج عن الوثائق إلا بعد ما يقرب مِن 100 عام، أي: بعد أن يكون صانعو تلك الأحداث قد فارقوا الحياة.
والمؤرخ المتمسك بالمصداقية قد يتعرض للأذى أو الموت، نتيجة كتابته عن الذين أفسدوا في الأرض.
وكيف نعالج الظُلم الذي تعرض له التاريخ الإسلامي عبر العصور؟!
لابد مِن إعادة النظر في كتابة الوثائق مرة أخرى، حيث أصبحت الوثائق والأرشيفات سهلة النظر فيها، فَمِنَ الممكن الآن إعادة كتابة التاريخ بصورة أفضل، ولابد من اختيار المؤرخين الذين سيقومون بذلك، كما أنه لابد من مراجعة التاريخ الإسلامي من جديد؛ لأنَّ الدين ليس صيامًا وصلاةً فقط، لكن الدين المعاملة أيضًا، ولابد أن نختار المؤرخين الذين يَصدقون في أعمالهم، ولا ينبغي أن يكتب التاريخ غيرهم.
كيف نستفيد من التاريخ الإسلامي في الوقت الحالي؟!
لابد من مراجعة التاريخ، والاستفادة من الأحداث التاريخية، وما فيه من جمال وعظمة وقوة المسلمين وعظمتهم في الفتوحات الإسلامية، والاستفادة منها في واقعنا المعاصر، وهناك الكثير من العلامات البارزة في التاريخ الإسلامي، منها الحروب الصليبية وانتصار المسلمين، وفتوحات الأندلس وبلاد المغرب والمشرق وآسيا الوسطي، كلها أحداث في غاية الأهمية في تاريخ أمتنا المشرق، ولابد من التركيز عليها؛ لأن المستشرقين أعداء الإسلام كتبوا عن التفكك الإسلامي، وعن أشياء تضر بتاريخ أمتنا، فلابد من تنقية تلك الشوائب.
وهناك أحداث كثيرة ينبغي التوقف عندها، كمعركة "عين جالوت"، وكيف انتصر المسلمون فيها على التتار، وكيف أنه لو هُزم المسلمون في تلك المعركة لضاع الإسلام وتغير التاريخ، بينما انتصارهم فيها جعل الأعداء يدخلون الإسلام، وأصبحوا مِمِن يدافعون عنه.
أيضا هناك فتن حدثت في التاريخ الإسلامي مثل الفتنة الكبرى، وقتل علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان رضي الله عنهما.
ما الأثر الذي تركه المسلمون على المجتمعات الغربية ؟
المسلمون عَلَّموا الغرب الحضارة بعد أن كانوا شعوبًا متوحشة، وعندما ذهب المسلمون إلى الأندلس أقاموا حضارة الإسلام، وعَلَّموا الغرب كل شيء في الحياة من نظافة واستحمام وطهي للطعام وأشياء كثيرة أخرى، حتى إنهم علموهم كيف يعيشون حياة سعيدة، كما فتح المسلمون مدارسهم وجامعاتهم للجميع، ودرس فيها أشراف وأبناء الملوك والأمراء، وتعلموا من حضارتنا الكثير والكثير.
هل من سبيل لتلاقي الحضارتين الغربية والعربية ؟
إذا كان هناك تفاهم بين رؤساء الدول، ويجلس المثقفون والمتعلمون ويأتون بالأشياء المشتركة، والأخرى الخلافية، فيتم التفاهم فيها.
وهل نشهد حالة من حوار أم صدام حضارات ؟
نشهد حالة من الصدام بين الحضارات، لوجود من ينزعجون من الحوار والتفاهم؛ لأن تلاقي الحضارات ربما يؤثر على مصالحهم الخاصة.
هل من محاولة لتصحيح قراءة الغرب لتاريخنا ؟
ليس هناك محاولات، والغرب يريد أن يبقي كل شيء كما هو عليه، ولا يريدون نهوض المسلمين؛ لأنهم يعتمدون على فكرة فرق تسد.
برأيك .. ما أثر التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية في واقع الأمة بعد غزو الثقافات الغربية لعالمنا ؟
الأثر للأسف قليل، خاصة بعد تدهور الأخلاق في الشارع، فهذه ليست أخلاق الإسلام، الناس تغربوا، والثقافة والإعلام لها دور كبير في تغريب الناس وإبعادهم عن التأثر بالقرآن الكريم والسنة النبوية، فيجب ضبط خريطة الثقافة والإعلام؛ لمعالجة الخلل الواقع في مجتمعاتنا حاليًا.
ما أهم الفوارق الجوهرية بين صناع الحضارة الإسلامية، وبين من جاءوا بعدهم وأضاعوا بعض ملامحها؟
عندما ضعف المسلمون ضيعوا أشياء كثيرة منها، المخطوطات التي تُعد تراث وإرث الأمة الإسلامية من العلم، فكانت القراءة قَبْلُ من فروض الإسلام، لكن المسلمون لم يعودوا يقرأون، بعد أن شغلهم التلفاز عن القراءة، وكذلك الإنترنت، والغرب سرق تراثنا ووضعه في خزائن لا تحرقها النار، ولو حرقت الدنيا من حولها، لكن ليس لدينا في مصر إلا باب واحد في وزارة الأوقاف المصرية معالج كيميائيًا لا تحرقه النار، وضع على حجرة تسمى "النفائس"، يوجد بها وقفيات، منها وقفية علي بك الكبير مكتوبة بماء الذهب وخط النسخ.
إذا تحدثنا عن رحلتك مع التاريخ الإسلامي ... ماذا تقول ؟
هي رحلة طويلة بدأت منذ دراستي في المعهد الأحمدي في طنطا محافظة الغربية، حيث دَرَّسَنا مشايخنا وأساتذتنا السيرة النبوية وتاريخ العرب قبل الإسلام، وتدرجتُ في الدراسة حتى وصلت إلى كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر، والتحقتُ بقسم التاريخ الإسلامي، ودرستُ فيه على أيدي أساتذتي الكرام، أمثال: الدكتور محمد الطيب النجار، الذي كان وكيلا للأزهر ورئيسًا لجامعته حينذاك، والدكتور إبراهيم شعوط رحمه الله، والدكتور عبد الفتاح شحاتة، والدكتور زكي غيث، ومحمود زيادة، ويوسف علي يوسف، الذي كان رئيسًا لقسم الحضارة، كل هؤلاء الأساتذة درسوني التاريخ الإسلامي، والدولة العباسية والأموية، والعرب قبل الإسلام، والسيرة النبوية بتوسع، ثم قرأت قراءاتي الواسعة في التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية، وتدرجت إلى أن التحقت بشعبة الحضارة، حيث درست الآثار الإسلامية والعمارة والفنون الإسلامية.
كمؤرخ .. كيف ترى ماضي وحاضر الأزهر ؟
أولا لابد من التنويه أنَّ الأزهر الشريف قِبلة المسلمين الثقافية، وهو من أقدم جامعات الدنيا؛ لأن المعز لدين الله الفاطمي عندما أرسل جوهر الصقلي الذي كان قائدًا من قادتهم ليفتح مصر بعد أن كثر فيها الفقر والغلاء، بني القاهرة عاصمة جديدة للفاطميين، وبني الجامع الأزهر، وبدأت الدراسة فيه بخمسة وثلاثين فقيها، هم أول هيئة علمية فيه، وبني لهم المعز لدين الله بيتًا حول الأزهر، يعتبر أقدم إسكان جامعي في العالم أجمع.
وأرسل العزيز بالله الفاطمي بن المعز، الرسل و السفراء إلى الدول الإسلامية، ليخبرهم أنه فتح مسجدًا في القاهرة للدراسة فيه مجانًا على نفقته، وأوقف على الأزهر أوقافًا كثيرة تدر دخلا ورِيعًا، ينفق منها على الأزهر وطلابه، فجاء الناس من كل بلاد العالم الإسلامي للدراسة.
وكثير من علماء الأزهر جاءوا إلى مصر في العصر المملوكي من بلاد الشام خلال الهجمة الشرسة للمغول هناك، فجاء العلماء إلى القاهرة واحتضنهم الأزهر، وكلما جاءت هجمة من الشرق أو الغرب احتموا بالأزهر الشريف، وكان للمغاربة رواق كبير، وكذلك الأتراك والشام.
وكان ماضي الأزهر جيدًا إلى عام 1952م، ثم أصبح حاله حتى هذه اللحظة غير المأمول منه.
وماذا عن تكريمك في اتحاد المؤرخين العرب ؟
جاء هذا نظرًا لدراساتي المتميزة في وثائق الأزهر وغيرها، وخلال كتاباتي رأى اتحاد المؤرخين العرب أن يكرمني هذا العام، وحصلت على درع شوامخ المؤرخين العرب، وهذا الدرع لا يُعطى لأي أحد، وإنما يعطى لأناس بذلوا مجهودات كبيرة وألفوا مؤلفات رصينة، تنفع الأمة الإسلامية، وتفيد المكتبة العربية والإسلامية، حيث يجتمع أقسام التاريخ في الوطن العربي كلهم على ترشيح شخصيات بعينها للحصول على هذا الدرع.
التعليقات
إرسال تعليقك