ملخص المقال
عندما يرتفع الإنسان بإسلامه عن حضيض الحزبية والعصبية لا بد أن يقدر معنى التضامن الإسلامي حق قدره.. فما أهمية وحدة الأمة الإسلامية؟ وما خطورة التفرق![وحدة الأمة .. الأمل المنشود](http://books.islamstory.com/index.php/images/upload/content/22863_image002.jpg)
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فيمر المسلمون بمرحلة تستوجب من كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أن يسعى جاهدًا لتحقيق الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية، سواء كان حاكمًا أو محكومًا، رجلاً أو امرأة، كبيرًا أو صغيرًا؛ حتى نرضي ربنا ونؤدي واجبنا ورسالتنا، ونكون يدًا واحدة على عدوِّ الله وعدونا.
فالمعرفة بالشرع والواقع تدعو كل مسلم أن يقوم لله بحقه نصحًا وبيانًا وحرصًا على سلامة هذه الأمة من التفكك وعوامل الانهيار، فهي الأمة الخاتمة والمرحومة، وهي خير أمة أخرجت للناس، إن اعتصمت بالوحي الصادق واستقامت على كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وكانت على مثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وتابعت خير القرون فيما كانوا عليه من علم نافع وعمل صالح، وحرص على تحقيق الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية، قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92].
الترفع عن العصبيات:
عندما يرتفع الإنسان بإسلامه عن حضيض الحزبية والعصبية وسائر النعرات القبلية، وتتسع نظرته باتساع دعوة الإسلام، وتكون دوافعه وبواعثه إيمانية، لا بد أن يقدر معنى التضامن الإسلامي حق قدره، ويسعى في سبيل تحقيقه باذلاً الغالي والرخيص، ومحتسبًا ذلك عند من لا تخفى عليه خافية؛ لعلمه أن ذلك من أهم الواجبات والفرائض اللازمة. فلا يتم أمر العباد فيما بينهم، ولا تنتظم مصالحهم، ولا تجتمع كلمتهم، ولا يهابهم عدوهم إلا بالتضامن الإسلامي الذي حقيقته: التعاون على البر والتقوى، والتكامل والتناصر، والتعاطف والتناصح، والتواصي بالحق والصبر عليه.
تربص الأعداء:
نمر بوقت تتربص بنا فيه قوى الشر والكفر، قد أعلنوها حربًا على الإسلام وأهله، وكما اجتمعوا قديمًا وقالوا: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} [طه: 64]، {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص: 6]. فكذلك صنعوا اليوم فأقاموا النظم والهيئات العالمية، التي راح المسلمون يدورون في فلكها؛ نتيجة تفرقهم وضعفهم بدلاً من أن يسعوا لإقامة نظامهم العالمي الذي ارتضاه لهم ربهم وخالقهم: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]، {إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 87، 88].
فنحن أصحاب رسالة ودين، لا بد من إبلاغه إلى الخلق كافة: {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19]. ولا ننكر أن أسباب ضعفنا -التي مكنت الأعداء من رقابنا- كثيرة، ودواعي فرقتنا الحاضرة عديدة، ولكن هذا كله لا يمنعنا من الأخذ بالأسباب، والاهتمام بالبدايات، فلا نجعل الخلاف بيننا في الأقوال والمذاهب، وفي الملك والسياسات والأغراض الشخصية حائلاً بيننا وبين تحقيق الأخوة الدينية والرابطة الإيمانية.
مصلحة الاجتماع من أهم المصالح:
فمصلحة الاجتماع مصلحة كلية، ومطالبة الدين أبناءه بالوحدة والألفة ومنعه لهم من التفكك والتشرذم يأتي مقدمًا على كل المصالح الجزئية أو الخاصة أجمع، ويُقدّم على كل شيء. وكما هو معلوم، فالمصالح العامة تتبعها المصالح الخاصة، ولا بد من نكران الذات، وإحلال العقلية الجماعية مكانها اللائق بها؛ فالإخاء الخاص لا يعني نسيان الإخاء العام، والاهتمام بالمسجد لا ينبغي أن يشغلنا عن الاهتمام بأمور المسلمين في شتى بقاع الأرض، والمحلية في حساباتنا لا تتعارض مع عالمية الدعوة، وأن نكون على مستوى إسلامنا وديننا في كل آنٍ وحين، حتى وإن كنا مستضعفين، فهذا لا يغيِّر من الحقائق شيئًا..
فالمستقبل لدين الله تعالى بغلبته وظهوره على الأديان كلها، وهذا يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم، وعلينا من الآن أن نسعى في إزالة الضغائن والعداوات الواقعة بينهم، وأن يكون صوت المسلمين واحدًا يتكلم به ويدعو إليه العلماء والكبراء. ومما يسهل هذا الأمر أن نعلم أن هذا السعي، هو من أفضل الأعمال، إنه أفضل من استغراق الزمان بالنوافل من صوم وصلاة وغيرهما، فأصل الجهاد اتفاق الكلمة وارتباط المسلمين بالأخوة الدينية ارتباطًا وثيقًا؛ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10].
الوحدة أهم أسباب النصر:
وهذا الارتباط من أعظم أسباب النصر: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 62، 63]. فالتأييد هنا حدث بأمر سماوي وأمر معنوي، وهو اجتماع المسلمين وتآلف قلوبهم وحصول التحاب الذي يوجب لكل منهم أن يرى مصلحته ومصلحة إخوانه واحدة، والغاية واحدة.
فالواجب على رؤساء الدين والدنيا العمل لتحقيق الارتباط؛ لأنه من مقتضيات الإيمان، وكلما قوي إيمان العبد عرف مقدار نفع هذا الأمر، بل التفكك والتحزب والتعصب المقيت دليل ضعف العقل أيضًا، قال تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14].
وهذه -للأسف الشديد- هي حالة المجتمع الإسلامي اليوم في أقطار الدنيا، يضمر بعضهم لبعض العداوة، وإن جامل بعضهم بعضًا فإنه لا يخفي على أحد أنها مجاملة، والسبب ضعف العقل وضعف الإيمان، فالناس إن لم يجمعهم الحق شعَّبهم الباطل، وإذا لم توحدهم عبادة الرحمن مزقتهم عبادة الشيطان، وإذا لم يستهوهم نعيم الآخرة تخاصموا على متاع الدنيا.
يا قوم، إن الرابطة هي الإسلام، نصير به كالجسد الواحد, وبدونه نرتكس لمثل حالة الجاهلية الأولى، أو أشد تفرقًا وضياعًا.
التفرق من خصائص الجاهلية:
إن التفرق من خصائص أهل الجاهلية، فأين من يعقل قوله سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]. وفي الحديث: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" (متفق عليه). إن رابطة الدين تتلاشى أمامها رابطة النسب والعصبيَّة.
التفرق سبب الهزائم:
إننا كأمة لن نؤتى من قلة عدد، لكن نؤتى بسبب الذنوب والمعاصي، ومن أعظمها التفرق والاختلاف: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
تأبى الرماح إذا اجتمعـن تكسرًا *** وإذا افترقن تكسـرت آحادًا
غزوة أحد ودرس الوحدة
لقد كان درس الوحدة من أعظم الدروس التي خرج بها المسلمون من يوم بدر وأحد، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُم مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1]. ولما قال البعض بعدما كثر القتل والجراحات في المسلمين يوم أحد: {أَنَّى هذَا} [آل عمران: 165]، كانت الإجابة: {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]. ثم شرعت الآيات توضح الأسباب: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَا تُحِبُّونَ مِنكُم مَن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَة} [آل عمران: 152].
ويوم بني قريظة، صفَّ النبي صلى الله عليه وسلم من صلى في الطريق ومن لم يصلِّ العصر إلا في بني قريظة - صفًّا واحدًا ثم قاتل بهم الأعداء: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4].
فأين من يُخرِج هوى النفس ويقول: والله أنا كنت أظلم، أو يقول: حقي لأخي؟! ويمتثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في المتخاصمين: "خيرهما من يبدأ بالسلام". وأين أولو الأحلام والنُّهَى على مستوى الفرد والجماعة والدولة، الذين يعظمون حرمات الله، ويسعون لسد الثغرات وإقامة الواجبات، ويصلون الدنيا بالآخرة والأرض بالسماء؟
لا نشك أنهم كثير بإذن الله، سيبدءون مستعينين بالله ورعاية الله وتوفيقه يحوطهم ويبارك سعيهم، حتى وإن كان الطريق محفوفًا بالمخاطر والعقبات؛ فمسيرة آلاف الأميال تبدأ بخطوة واحدة، وبداية السيل قطرة، ولا يحقرن أحدكم من المعروف شيئًا، وابدءوا بأنفسكم -رحمكم الله- إصلاحًا وتهذيبًا وسيرًا في طريق الوحدة والاتحاد، وليكن الحق رائدكم، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها، والحق يجب أن يكون أحب إلينا من الأشخاص واللافتات، ولا يجوز أن نكتفي بالحماسات والشعارات، بل لا بُدَّ من إعمال القواعد الشرعية لتحقيق الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية؛ حتى تؤتي دعوتنا ثمارها بإذن الله.
وكل منا على ثغر من ثغور الإسلام، فليحذر أن يؤتى الإسلام من قِبله، ولنحسن التوكل على خالق الأرض والسموات، فقلوب العباد بيده سبحانه دون أحد سواه. وندعوه جلَّ في علاه أن يجعل صمتنا فكرًا، ونطقنا ذكرًا، ونظرنا عبرًا، وأن يجمع كلمة المسلمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر: موقع إسلام ويب.
روابط ذات صلة:
- الاتحاد بين الإخوان والسلفيين
- وحدة الأمة .. الفريضة المنسية
- الإخوان والسلفيون .. مقال مكرر !!
- السلفيون والإخوان وواجبات المرحلة
التعليقات
إرسال تعليقك