ملخص المقال
تستقبل الأمة الإسلامية عامها الهجري الجديد وجسدها الإسلامي مصاب بجراحات كثيرة وليس تعداد مصائب الأمة وجراحاتها من باب إدخال اليأس والقنوط على النفوس
تستقبل الأمة الإسلامية عامَها الهجريَّ الجديد وجسدُها الإسلاميّ مُصَابٌ بجراحاتٍ كثيرةٍ، بل لا يكاد جرح يَبْرَأُ حتى تَنْتَكِثَ جراحات أخرى؛ جهْل، وحرب، وفقر، وجوع، وتشريد وتهديد، وذلك واضح ومعلوم فيما يقرأ ويَسمع ويشاهد، بل قد يقال: لم يعد مُسْتَغْرَبًا حصول قَارِعَةٍ تَنْزِلُ بجماعةٍ من المسلمين أو تَحُلُّ قريبًا من دارهم، حتى أضحت كثير من بلاد المسلمين يَصْدُقُ عليها قول الشاعر:
أَنَّى اتَّجَهْتَ إِلَى الإسْلامِ فِي بَلَدٍ *** تَجدْه كَالطَّيْرِ مَقْصُوصًا جَنَاحَاه
إنَّ النَّاظِرَ بعين الإنصافِ والبصيرة يعلم أنَّ ما أصاب المسلمين إنما هو من جَرَّاءِ أنفسهم وذنوبهم؛ كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165].
ليس تعداد مصائب الأمة وجراحاتها من باب إدخال اليأس والقنوط على النفوس معاذ الله! فعلى الرغم مما حصل -ويحصل- في أمة الإسلام من المصائب فإنَّ الخير باقٍ فيها إلى قيام الساعة.
ولكن يُذكر ذلك من باب شَحْذِ الْهِمَمِ وإيقاظ العزائم وبثِّ الحميَّة الإسلاميَّة الصحيحة في نفوس المسلمين؛ لأن حال كثير من المسلمين -على اختلاف بلاد العالم الإسلاميّ- حالٌ يُرثى لها، بسبب التبعيّة لأعداء الإسلام والإعجاب بهم إعجابًا مطلقًا، إضافة إلى انحلال كثير مِنَ المسلمين مِنْ قِيَمِ الإسلام وآدابه، أدى ذلك -وغيره- إلى غياب مَعَالِمِ الإسلام لا على مستوى الأفراد فحَسْبُ بل على مستوى المجتمعات، بل إنَّ بعض المسلمين لم يكتف بالانحلال من قيم الإسلام فحسب وإنما أصبح عونًا لأعداء الإسلام ومُكَثِّرًا لسوادهم، وذلك بتسخير نفسه وقلمه وفكره لحرب الإسلام والمسلمين، فأضحى خطرًا كبيرًا على الإسلام وأهله؛ ذلك أَنَّ العدو قد عُرِفَ بعدائه وحقده، أما من كان محسوبًا معدودًا من جملة المسلمين؛ فهذا الذي يَخْفَى كَيْدُه ويَشْتَدُّ أذاه لغفلة الكثير عن مراده وسوء مقصده، بل ويزيد خطره إذا صُنِّفَ من المدافعين عن الإسلام وأهله.
لقد حرص الإسلام على توثيق الروابط والتقارب بين المسلمين، وأَكَّدَ أهميتها، بل بَلَغَ حِرْصُ الإسلام على أهله أنْ جعلهم كالجسد الواحد يألمون معًا ويأملون معًا؛ عن النعمان بن بشير -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون كرجل واحد، إِنِ اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسَّهر"[1]، وفي لفظ آخر -عنده-: "المؤمنون كرجل واحد، إِنِ اشتكى رأسُه اشتكى كلُّه، وإِنِ اشتكى عينُه اشتكى كلُّه". وعن أبي موسى الأشعريّ رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضه بعضًا"، وشبَّك أصابعه[2].
وقد تَضَمَّنَ هذا النّصُّ صفاتٍ بليغةً في وحدة المسلم مع إخوانه؛ فالمؤمنون كالبنيان الواحد للمجتمع، ولما كان البنيان قد يكون مُتَدَاعِيًا أو مُتَسَاقِطًا؛ جاء الوصف الآخر بأنَّ ذلك البنيان يَشُدُّ بعضه بعضًا، فيكون كل مسلم يُمَثِّلُ لَبِنَةً في البيت الإسلاميِّ الكبير.
ولم يكتفِ الإسلام بأنْ تكونَ وَحْدَةُ المسلمِ مع أخيه في حال المشاهدة، بل تَعَدَّى ذلك إلى حالِ الغيبِ والبعدِ؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خارج المدينة ومعه جماعة من أصحابه فقال لهم: "إن بالمدينة أقوامًا ما سِرْتُم مسيرًا، ولا أَنْفَقْتُم مِنْ نَفَقَةٍ، ولا قَطَعْتُم واديًا؛ إلا كانوا معكم فيه وهم بالمدينة؛ حَبَسَهم الْعُذْرُ"[3].
وهكذا ينبغي أن تكون حال المسلم مع إخوانه في السَّرَّاء والضَّرَّاء وفي الغيب والشهادة؛ يَأْلَمُ لألَمِهم ويُؤَمِّلُ لأملهم، يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، فسفينة الإسلام واحدةٌ تَتَأَثَّرُ سلبًا وإيجابًا بِحَسَبِ تصرُّفات أهله.
إذا كان ذلك كذلك؛ فليحذر كل مسلم أن يكون سببًا في إحداث فجوةٍ على الإسلام من جهة نفسه؛ سواء أكان تقصيرًا في ذاته أو متعدِّيًا إلى غيره، بل وليعلم كلُّ واحدٍ من المسلمين أنَّه مسئول عن نفسه خاصَّةً وعمَّن يعول عامَّة.
فالإصلاح يبدأ من الذَّات ثم تتسع دائرة الإصلاح حتى تَشْمَلَ البيت والجوار والمجتمع كُلٌّ بِحَسَبِ جهده.
متى ما شعر الفرد بمسئولية وقام بأدائها قدر المستطاع؛ كان ذلك مِمَّا يُقَوِّي شوكة المجتمع خاصة وشوكة الإسلام عامة.
فإذا تكاتف المسلمون مع إخوانهم المستضعفين ودَعَمُوهم بالمال والدعاء وكانوا معهم بأحاسيسهم؛ فإنه يحصل بذلك الأثر الكبير في استجلاب النصر بإذن الله، ومتى قام المصلحون بنشر الوعي العقديِّ السليم وبَصَّرُوا الناسَ في معاملاتهم وسلوكياتهم؛ عاد ذلك بالنفع العظيم على المجتمع بأَسْرِه.
شاهد المقال: أنه إذا استشعر كلُّ فردٍ بمسئوليَّته وقام بها حقَّ القيام؛ كان ذلك -بإذن الله- من أعظم الأسباب في نصر الإسلام والمسلمين، فأمر المسئولية عظيم.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛ فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سَيِّدِه وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"[4].
فالله نسأل أن يعيننا على ما حَمَّلَنا، وأن يُصلح لنا جميع أمورنا.
إن الإسلام مجتمعات، والمجتمعات أفراد، ومتى ما أصلح الفرد نفسه؛ صلح جزء من مجتمع المسلمين، وعلى هذا؛ فكلٌّ منا على ثَغْرٍ من ثُغُورِ الإسلام، فالله الله أن يُؤتى الإسلام من قبله.
وإن مما يُعين على تهذيب النفس: تعويدها على عمل الخيرات، وإن من الخيرات صيام يوم عاشوراء، فصيامه يكفر سنة ماضية، كما قال صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عاشوراء يُكَفِّرُ سنة ماضية"[5]. وقد صامه وهَمَّ بصيامِ يومٍ قبله فقال: "لئن بقيت إلى قابل، لأصومنَّ التاسع".
اللهم اجعل هذا العامَ عامَ خيرٍ وبركة للإسلام والمسلمين.
المصدر: موقع صيد الفوائد.
[1] أخرجه مسلم.
[2] أخرجه البخاري.
[3] أخرجه البخاري عن أنس رضى الله عنه.
[4] أخرجه البخاري ومسلم.
[5] أخرجه الترمذي بمعناه عن أبي قتادة رضى الله عنه.
التعليقات
إرسال تعليقك