التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
قاومت الخلافة الأموية بقوة المذاهب الضالة والمعتقدات المنحرفة مثل الخوارج والقدرية وخلق القرآن، وحافظت الدولة الأموية على نصاعة العقيدة الإسلامية
بذل الأمويون جهودًا كبيرة من أجل الحفاظ على نصاعة العقيدة الإسلامية وبساطتها وصحتها دون تحريف أو مغالاة، غير أن اختلاط العرب بغيرهم من شعوب البلاد المفتوحة صاحبة العقائد المختلفة، والأديان المتعددة، والتصورات الدينية المتباينة كان لا بد أن يترك أثرًا سلبيًّا على التصور الصحيح للإسلام عند بعض أبنائه. كما أننا نتوقع منذ البداية أن هذه الحضارات المهزومة والأمم المدحورة، وإن فاتها النصر في ساحات القتال لن تعدم وسيلة ما للدس والكيد والتآمر، ومحاولة تخريب عقائد المسلمين والتشويش عليها.
وبالتجاوز عن مواجهة الأمويين حركات الخوارج التي تعتمد على سابقة تاريخية منذ حاربهم علي بن أبي طالب t، وبافتراض أن تفكير الخوارج كان انحرافًا في (فهم الإسلام) وغلوًّا فيه، وليس حربًا له أو مكرًا به، فقد واجه الأمويون بعد ذلك عديدًا من المذاهب العقدية الضالة والخطيرة على الإسلام وأمته.
وقد تركز ظهور معظم هذه الحركات الهدامة في الجزء الشرقي من الدولة الإسلامية في العراق وفارس وخراسان، حيث كان التأثر واضحًا بالديانات الفارسية القديمة، كما ظهرت بعض هذه المذاهب الضالة في الشام حيث نجد بعض المؤثرات النصرانية. ولكننا نلاحظ كذلك أن هذه المذاهب المنحرفة لم تكن خطيرة التأثير، إذ لم تتح لها الفرصة للانتشار والذيوع، كما أنها كانت تفتقر بشكل واضح إلى التعاطف الجماهيري الذي ظل ملتصقًا بقيم الإسلام وتصوراته الصحيحة.
ولعل أسبق هذه الضلالات إلى الظهور ما نُسِبَ إلى المختار بن أبي عبيد المنتزِي على العراق في فترة ضعف الحكم الأموي التي تلت موت يزيد بن معاوية وتنازل ابنه معاوية عن الخلافة، وفي سنة 79هـ اكتشف عبد الملك بن مروان أمر رجل يدعي النبوة بالشام يُدعى الحارث بن سعيد، فألقى القبض عليه، وأمر رجالاً من أهل العلم والفقه بمحاورته وإقامة الحُجَّة عليه لعله يتوب، فلما لم يقبل منهم، أمر بقتله.
وظهر في العراق في فترة مبكرة معبد الجهني الذي كان من أوائل القدرية في الإسلام، وهم منكرو القدر، وقد جاء بهذه الأفكار فيما يبدو من مصادر نصرانية، ثم لم يلبث أن ثار على الأمويين مع ابن الأشعث، فلما فشلت هذه الثورة ألقى الحجاج القبض عليه وقتله بعد عام 80هـ.
وقد أخذ الأفكار القدرية لمعبد أحد رجال الشام واسمه غيلان الدمشقي، وكان مولى لآل عثمان بن عفان t، وقد أدخل على هذه الأفكار مزيدًا من التأصيل الجدلي، وقد ناظره عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- لما علم ببدعته، وأبان له ضلاله فأظهر التراجع عن فكره أكثر من مرة، وأمر عمر بالكتاب إلى سائر العمال بخلاف ما يقول هؤلاء القدرية، وقد أمسك غيلان عن الكلام حتى مات عمر، فسال منه بعد ذلك السيل، فاستدعاه هشام بن عبد الملك بعد توليه الخلافة، وقال له: ويحك! قل ما عندك، إن كان حقًّا اتبعناه، وإن كان باطلاًَ رجعتَ عنه. فناظره ميمون بن مهران والأوزاعي، فلما استبان خطؤه ومكره وإصراره على ضلالته، أمر هشام بقتله.
ويبدو أن بعض الناس أرجف بالخليفة بعد صنيعه ذاك حتى أشفق أن يكون أخطأ بقتله غيلان، فكتب إليه رجاء بن حيوة فقيه أهل الشام يقول: بلغني يا أمير المؤمنين أنه دخلك شيء من قتل غيلان وصالح (أحد أصحاب غيلان)، وأقسم لك يا أمير المؤمنين إن قتلهما أفضل من قتل ألفين من الروم أو الترك.
ثم ظهر في الشام الجعد بن درهم مولى بني الحكم وكان معلمًا لمروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، وهو أول من تكلم بخلق القرآن من أمة محمد r، وقد قيل إنه أخذ ذلك من أصول يهودية، فلما أظهر ذلك القول طُلِبَ بالشام، فهرب إلى الكوفة حيث حبسه عاملها خالد القسري وأمره هشام بن عبد الملك بقتله.
إن وقوف الخلافة الأموية أمام هذه المعتقدات الضالة والمنحرفة عن عقيدة الإسلام الصحيحة لم يكن منطلقًا من هوى شخصي لدى الخلفاء، بل كان -كما رأينا- بالاستعانة بأهل العلم الذين كانوا يقيمون الحجة على هؤلاء الخارجين عن إطار الشرع والدين وعقيدة الإسلام الصحيحة، ولو تركت الدولة هؤلاء لحدثت الفتن والثورات من أجل هذه المعتقدات؛ ولذلك أوضح ابن حيوة هذا الأمر للخليفة هشام بأن قتله لأحد المبتدعين أفضل من قتل ألف من أعداء الأمة من الروم أو الترك.
التعليقات
إرسال تعليقك