التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
أشهر العلماء في الدولة العامرية، مقال بقلم د. راغب السرجاني على موقع قصة الإسلام، يتناول صفحات من حياة ابن ذكوان وابن الفرضي والمجريطي وابن جلجل وهم أشهر
ابن ذكوان (342-413هـ= 953-1022م)
أبو العباس أحمد بن عبد الله بن هرثمة بن ذكوان بن عبيدوس بن ذكوان، الشهير بابن ذكوان قاضي الجماعة بقُرْطُبَة وخطيبها، وُلِدَ سنة (342هـ= 953م)، ولاَّه المنصور بن أبي عامر القضاء، وكان من خاصته يُلازمه في رحلاته وغزواته، ومحلُّه منه فوق محلِّ الوزراء، يُفاوضه المنصور في تدبير المُلْكِ وفي سائر شئونه. كذلك كان معه المظفر وشنجول ولدي المنصور بعد وفاة أبيهما، وتوفي المظفر فزاد أخوه عبد الرحمن في رفع منزلته وولاَّه الوزارة بالإضافة إلى قضاء القضاة، وكان عظيم أهل الأندلس ورئيسهم، وأقربهم من الدولة وأعلاهم محلاًّ، توفي سنة (413هـ)[1].
ابن جلجل (332- بعد 377هـ= 943- بعد 987م)
أبو داود سليمان بن حسان، الشهير بابن جلجل، كان طبيبًا ماهرًا، وكان إمامًا في معرفة الأدوية المفردة، لا سيما بكتاب ديسقوريدس، الذي عُرِّب في بغداد في خلافة المتوكل العباسي، وبقيت منه ألفاظ كثيرة يونانية لم تُعَرَّب ولا عُرفت، ويحكي ابن جلجل قصة هذا الكتاب فيقول: «انتفع الناس بما عُرِّب منه، فلما كان في دولة الناصر عبد الرحمن بن محمد صاحب الأندلس، كاتبه أرمانوس صاحب القسطنطينية قبل الأربعين وثلاثمائة وهاداه بنفائس، فكان منها كتاب ديسقوريدس مصور الحشائش بالتصوير العجيب، والكتاب باليوناني، ومنها كتاب هروشيش، وهو تاريخ عجيب في الأمم والملوك باللسان اللطيني (اللاتيني). وكان بالأندلس مَنْ يتكلَّم به، ثم كاتبه الناصر وسأله أن يبعث إليه برجل يتكلم باليوناني واللطيني، ليُعَلِّم له عبيدًا؛ حتى يُترجموا له، فبعث إليه براهب يُسَمَّى نقولا، فوصل قُرْطُبَة في سنة أربعين، ونشر من كتاب ديسقوريدس ما كان مجهولاً، وكان هناك جماعة من حُذَّاق الأطباء، فأُحْكم الكتاب، وقد أدركتُهم، وأدركتُ نقولا الراهب وصحبتُهم، وفي صدر دولته (أي: المستنصر) مات نقولا الراهب».
ومن كُتب ابن جلجل «تاريخ الأطباء والفلاسفة»، وله تذييل وزيادات على كتاب ديسقوريدس مما لم يعرفه ديسقوريدس[2].
المجريطي (338-398هـ= 950-1007م):
هو الفيلسوف الرياضي الفلكي أبو القاسم مسلمة بن أحمد بن قاسم بن عبد الله المجريطي، وهو مشهور بالمجريطي، وُلِدَ في مدينة مجريط (مدريد) سنة (338هـ= 950م)، كان إمام الرياضيين بالأندلس، وأوسعهم إحاطة بعلم الأفلاك وحركات النجوم[3].
برع في علوم كثيرة، وله كتابان رجع إليهما ابن خلدون هما: (رتبة الحكيم): وهو أهم مصدر لدراسة الكيمياء في الأندلس، و(غاية الحكيم): وهو كتاب موسوعي تُرجم إلى اللاتينية في القرن الثالث عشر الميلادي... وفي هذا الكتاب بحوث تهتم بدراسة تاريخ الحضارة في أقدم عصورها، وتاريخ مستنبطات الأمم الشرقية العريقة في القدم من أنباط وأقباط وسريان وهنود.. وغيرهم، ومكتشفاتهم وجهودهم في تَقَدُّم العمران، وفي هذا الكتاب -أيضًا- بحوث في الرياضيات والكيمياء، وعلم السحر، وعلم الحيل، والتاريخ الطبيعي، وتاريخ المنشأ، والبيئة[4]، وله زيج قيل فيه: لم يُؤَلَّف في الأزياج مثل زيج مسلمة -أي: المجريطي- وزيج ابن السمح[5].
ومن مؤلفاته أيضًا:
- روضة الحدائق ورياض الخلائق.
- ثمار العدد: وهو في الحساب ويُعرف بالمعاملات.
- اختصار تعديل الكواكب من زيج البتاني.
- كتاب الأحجار.
ولقد قال إدوارد فنديك صاحب كتاب (اكتفاء القنوع بما هو مطبوع): توجد مجموعة أخرى تسمى بالرسائل الجامعة ذات الفوائد النافعة، وتُعْرَف -أيضًا- باسم (رسائل إخوان الصفا) للحكيم المجريطي القرطبي... وهي على نمط رسائل إخوان الصفا، ولكنها لم تُطبع ولم تشتهر كالأولى[6]، ولعلَّ هذا هو ما جعل خير الدين الزركلي صاحب الأعلام يقول: ذهب بعض المؤرخين إلى أنه مؤلف (رسائل إخوان الصفا)، ولم يَثْبُت ذلك[7]، وقد توفي في مدينة مجريط (مدريد) سنة (398هـ= 1007م).
ابن الفرضي (351-403هـ= 962-1013م):
الإمام الحافظ، البارع الثقة، أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي، المعروف بابن الفرضي، مؤرخ حافظ أديب، وُلِدَ بقُرْطُبَة سنة (351هـ= 962م)، ألَّف في (أخبار شعراء الأندلس)، وكتاب في (المؤتلف والمختلف)، وفي (مشتبه النسبة).
وكان من تلاميذه الإمام المعروف أبو عمر بن عبد البر، وهو من أئمة المذهب المالكي الكبار، ووصفه بقوله: كان فقيهًا حافظًا، عالمًا في جميع فنون العلم في الحديث والرجال، أخذتُ معه عن أكثر شيوخي، وكان حسن الصحبة والمعاشرة.
وقال عنه شيخ مؤرخي الأندلس ابن حيان: لم يُرَ مثله بقُرْطُبَة في سعة الرواية، وحفظ الحديث، ومعرفة الرجال، والافتنان في العلوم والأدب البارع، وجمع من الكتب أكثر ما يجمعه أحد في علماء البلد، وكان حسن البلاغة والخطِّ.
ومما يُذكر عنه قول الحميدي: حدثنا علي بن أحمد الحافظ، أخبرني أبو الوليد بن الفرضي قال: تعلَّقتُ بأستار الكعبة، وسألت الله تعالى الشهادة، ثم فَكَّرت في هول القتل، فندمت، وهممت أن أرجع، فأستقيل الله ذلك، فاستحييت. يقول الحافظ علي: فأخبرني مَنْ رآه بين القتلى، ودنا منه، أنه سمعه يقول بصوت ضعيف: «لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ الله، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ»[8]. كأنه يُعيد على نفسه الحديث، ثم قضى على إثر ذلك .
وله شعر جيد منه: [الطويل]
أَسِيرُ الْخَطَايَا عِنْدَ بَابِكَ وَاقِفٌ *** عَلَى وَجَلٍ مِمَّا بِهِ أَنْتَ عَارِفُ
يَخَافُ ذُنُوبًا لَمْ يَغِبْ عَنْكَ غَيْبُهَا *** وَيَرْجُوكَ فِيهَا فَهْوَ رَاجٍ وَخَائِفُ
وَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْجُو سِوَاكَ وَيَتَّقِي ***وَمَا لَكَ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ مُخَالِفُ
فَيَا سَيِّدِي لا تُخْزِنِي فِي صَحِيفَتِي *** إِذَا نُشِرَتْ يَوْمَ الْحِسَابِ الصَّحَائِفُ[9]
[1] النباهي: تاريخ قضاة الأندلس، ص85، والذهبي: تاريخ الإسلام، 28/312.
[2] انظر: الذهبي: تاريخ الإسلام، 27/213.
[3] الزركلي: الأعلام، 7/224.
[4] انظر: محمد أمين فرشوخ: موسوعة عباقرة الإسلام، 5/111.
[5] المقري: نفح الطيب، 2/176.
[6] إدوارد فنديك: اكتفاء القنوع بما هو مطبوع ص184.
[7] الزركلي: الأعلام، 7/231.
[8] الحديث رواه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب من يجرح في سبيل الله عز وجل 2649، ومسلم: كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله 1876 عن أبي هريرة رضى الله عنه، واللفظ له.
[9] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 17/177.
التعليقات
إرسال تعليقك