التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
مما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية إجارة الوليد بن المغيرة للصحابي عثمان بن مظعون –رضي الله عنه، حتى رد عثمان بن مظعون هذه الإجارة لما رأى ما فيه أصحاب
مما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية إجارة الوليد بن المغيرة للصحابي عثمان بن مظعون –رضي الله عنه، حتى رد عثمان بن مظعون هذه الإجارة لما رأى ما فيه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من البلاء، وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد، هل أجار الوليد بن المغيرة عثمان بن مظعون؟
قال ابن إسحاق -رحمه الله- في ذِكْرِ من عاد من الحبشة بعد أن بلغهم إسلام أهل مكة ثم تبين لهم عدم صحة ذلك، فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار أو مستخفيًا: " ... فأما عثمان بن مظعون فإن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حدثني عمن حدثه عثمان قال، لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من البلاء، وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة، قال: والله إن غدوي ورواحي آمنًا بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي، فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس، وفّت ذمتك، قد رددتُ إليك جوارك ... فقال الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد عليّ جواري، قال: صدق، ثم انصرف عثمان ولبيد بن ربيعة في مجلس من قريش ينشدهم، فجلس معهم
عثمان فقال لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل.
قال عثمان: صدقت. قال: وكل نعيم لا محالة زائل.
قال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول. قال لبيد: يا معشر قريش والله ما كان يؤذى جليسكم، فمتى جاء هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا، فلا تجدنّ في نفسك من قوله، فردّ عليه عثمان حتى شري أمرهما، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضّرها، والوليد بن المغيرة قريّب يرى ما بلغ من عثمان، فقال: أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنيّة، لقد كنتَ في ذمة منيعة. قال: يقول عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله ... (1)".
وفي إسناد القصة جهالة شيخ صالح بن إبراهيم. ورواه البيهقي في (الدلائل (2)) عن موسى بن عقبة مرسلًا. وقال الهيثمي في (المجمع) رواه الطبراني مرسلًا، وفيه ابن لهيعة أيضًا (3).
وما لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- من أذى المشركين جاء في أحاديث صحيحة كثيرة. وقد بوّب الإِمام البخاري -رحمه الله، في صحيحه في كتاب مناقب الأنصار: "باب ما لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من المشركين بمكة (4)".
وقول لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل أصدق بيت، كما روى ذلك الإمامان البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أصدق بيت قاله الشاعر ألا كل شيء ما خلا الله باطل (5)". ويبعد أن تسكت قريش عن قول لبيد وتصديق عثمان له، وكلامه متضمن بطلان آلهتهم.
تنبيه
ما اشتهر من كون رجوع بعض مهاجري الحبشة إلى مكة هو بلوغهم إسلام مشركي مكة مرتبط بحادثة الغرانيق، وسبق الحديث عنها، ولذا قال الشيخ الألباني: "وأما بلوغ ذلك إلى مهاجري الحبشة، وأنهم عادوا من أجل ذلك إلى مكة، فمما لم أقف عليه في رواية صحيحة، وإنما هي مراسيل لا تقوم بها حجة .. (6)".
فائدة
مما يتعلق بعثمان بن مظعون - رضي الله عنه - ما روي أنه أول من دفن بالبقيع، وأفاد الشيخ الألباني -رحمه الله- أنه لم يرَ ذلك متصلًا من وجهٍ يُحْتَجُ به، وأن مداره على الواقدي. (السلسلة الصحيحة 7/ 165).
(1) الروض الأنف (3/ 333).
(2) دلائل النبوة (2/ 291).
(3) مجمع الزوائد (6/ 34).
(4) البخاري (7/ 164 فتح).
(5) البخاري، كتاب الرقاق، باب الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك (11/ 321 فتح) ومسلم: كتاب الشعر (15/ 12 نووي).
(6) صحيح السيرة النبوية (208).
التعليقات
إرسال تعليقك