ملخص المقال
مصر والسودان من أضاع الجنوب مقال بقلم د. محمد مورو، يبين أن انفصال جنوب السودان كان كارثة، فمن الذي أضاع السودان؟ وما أهمية الوحدة بين مصر والسودان؟
يقول المؤرخ المصري المعروف عبد الرحمن الرافعي: إن مصر بدون السودان دولة ناقصة المكونات والمقوِّمات، والسودان بدون مصر دولة بلا مقومات.
وهكذا فإن ما حدث اليوم من انفصال الجنوب عن الشمال، وتهديد الشمال نفسه بالتقسيم إلى أقاليم مثل دارفور والشرق، أي تمزيق السودان، ما هو إلا محصلة طبيعيَّة لانفصال السودان عن مصر عام 1956م، حتى لو تأخرت المسألة أكثر من 50 عامًا.
وهكذا، فإن فصل السودان عن مصر كان الخطيئة الكبرى، التي لا يمكن تبريرها بكلام حول الضرورات التاريخيَّة أو حق تقرير المصير، أو ضرورة ذلك لتحقيق جلاء الإنجليز عن مصر أو غيرها من التبريرات الغبيَّة، بل التبريرات الخائنة، ومسألة ضرورة وحدة مصر والسودان هي مسألة محسومة في علم السياسة، بل وعلم الوطنيَّة المصريَّة، فلم يشذّ عن ذلك سياسي مصري من مختلف الاتجاهات السياسيَّة التي عرفتها مصر، سواء كان من دعاة الجامعة الإسلاميَّة مثل الأفغاني والنديم ومصطفى كامل ومحمد فريد، أو من دعاة الإصلاح الديني مثل محمد عبده وحسن البنا، أو حتى من دعاة الدولة المدنيَّة العلمانيَّة مثل مصطفى النحاس باشا زعيم حزب الوفد، الذي قال يومًا: تقطع يدي ولا تفصل السودان عن مصر، عندما كان يعرض عليه الإنجليز الجلاء عن مصر مقابل فصل السودان عن مصر..
وهو الموقف نفسه الذي عكسته مختلف الأحزاب السياسيَّة المصريَّة التي حكمت مصر، حتى لو كانت أحزاب أقليَّة، أو كانت متهمةً بالولاء للسرايا والملك أو حتى بحسن علاقاتها بالإنجليز؛ لأن المسألة كانت أكبر من أن يتحمَّلها سياسي مصري، مهما كان انتماؤه؛ ففصل السودان عن مصر هي أم الخطايا في العرف السياسي المصري قبل ثورة 1952م، لم يشذّ عن ذلك إلا بطرس غالي الأب الذي قَبِل إطلاق يد الإنجليز في السودان بالمشاركة مع مصر في اتفاقية 1899م، ولم يقبلْ طبعًا فصل السودان عن مصر.
ومع ذلك وبسبب ذلك قام الشباب الوطني المصري باغتيال بطرس غالي عام 1911م جزاءً على هذا الفعل الشنيع، حيث برَّر الشاب المصري إبراهيم الورداني إقدامَه على اغتيال بطرس غالي بأنه أطلق يد الإنجليز في السودان. وللأسف فإن ضباط ثورة يوليو 1952م، ارتكبوا أمَّ الخطايا وسمحوا بفصل السودان عن مصر عام 1956م، والغريب أن هؤلاء كانوا دعاة وحدة، فكيف تدعو للوحدة وتقبل فصل جزءٍ أساسي من مصر، بل أكثر من 65% من مساحة مصر في ذلك الوقت؟! الأمر غير قابل للفهم طبعًا.
لو التي تستفتح عمل الشيطان
ما دمنا قد بكينا على اللبن المسكوب، وليس أمامنا إلا ذلك؛ لأن المسألة تخص مستقبل مصر المائي والغذائي والوجداني؛ حيث يأتي النيل من السودان قادمًا من إثيوبيا (النيل الأزرق) 85% من الموارد المائية المصرية، أو (النيل الأبيض) 15% من الموارد عن طريق البحيرات الكبرى في وسط القارة، فإنه لا بد من الإشارة إلى خطأ تاريخي آخر ارتكبه محمد علي باشا، عندما اهتمّ بالغزو شمالاً حتى الأناضول، ولم يكمل الغزو جنوبًا وبناء إمبراطوريَّة إسلاميَّة إفريقيَّة، ولو قارنَّا الموارد والضحايا التي أنفقت في حملات محمد علي شمالاً، وأختها جنوبًا، لوجدنا أن المجهود الذي أُنفق في الشمال كان كفيلاً بفتح إفريقيا كلها، وإقامة مشروع إمبراطوري إسلامي في القارة السوداء..
وكان ذلك أولاً سيوفِّر للدولة العثمانية جهودها لمواجهة أوربا المتربِّصة بها، وفي نفس الوقت يحول دون قيام أوربا باستعمار إفريقيا، ونهبها وإقامة الحضارة الغربيَّة والتقدم الأوربي الحديث على أنقاضها. وبكلمة أخرى لو أن محمد علي فعل ذلك، لتغير مجرى التاريخ ولظلَّت أوربا متأخرةً كما هي، ولتقدَّمت إفريقيا، وكان من الطبيعي والحالة هذه أن نستمع في إعلانات وسائل الإعلام عن مساحيق تسويد البشرة وليس مساحيق تبييض البشرة مثلاً.. كان التقدم والثورة الصناعية ستكون من نصيب الجنوب، والسكون والتأخر من نصيب الشمال، أي عكس الحاصل الآن تمامًا. نقول: لو أن كذا لكان كذا، رغم إدراكنا أن لو تفتح عمل الشيطان.
الوحدة هي الطريق الوحيد
نعم، كانت جريمة الانفصال خطيئةً كبرى، ولكن الحكومات المصريَّة المتعاقبة لم تعملْ لإصلاح الخطأ، والبحث عن توحيد السودان ومصر من جديد، وليس هذا كلامًا خياليًّا، بل العكس هو الخيالي؛ لأنه لا حياة لمصر بدون السودان، ولا حياة للسودان بدون مصر، كان لا بد أن نسعى للوحدة بجديَّة، وحتى اليوم ليس هناك حل لوقف التداعيات السلبيَّة إلا بوحدة مصر والسودان؛ لأن انفصال الجنوب معناه إقامة دولة صديقة لإسرائيل وحليفة لأمريكا في منابع النيل، ومعناه أن مصر مهدَّدة في أمنها القومي، ومعناه أن السودان عاجلاً أم آجلاً سيتمزَّق، بل الجنوب نفسه سيتمزَّق..
وهذا يعني أن هناك حول مصر في الجنوب، وفي الصومال وفي الصحراء العربيَّة الكبرى من موريتانيا حتى النيجر ونيجريا وتشاد، بل في أوغندا والكونغو وكينيا وإثيوبيا - فراغًا هائلاً سيملؤه الإرهاب؛ أي أن الخطر اقتصادي وأمني واستراتيجي، ولنا أن نتوقَّع أنه كلما زادت المشاكل في هذه المنطقة، ثم الضغط على مصر بالتهديد بقطع بعض مخصَّصات مصر من ماء النيل؛ بدعوى أن هناك حاجات اقتصاديَّة لتلك الدول التي لن تعترفَ أن الفقر بها لأسباب عدم الاستقرار، بل لأن مصر تحصل على حقها من مياه النهر (مصر تحصل فقط على 3% من الموارد المائيَّة المتاحة في كل من النيل الأبيض والأزرق)..
ولنا أن نتوقع أن أمريكا وإسرائيل والكنائس الغربيَّة وكل من هبَّ ودبَّ ويريد الشر بمصر سيحرض دول المنبع على ذلك، ورغم أن مصر تمتلك أوراقًا قويَّة في منابع النيل، مثل دعم الصوماليين للحصول على حقوقهم من كينيا وإثيوبيا، أو دعم حركة تحرير أوجادين التي تبلغ مساحتها أكثر من 50 % من إثيوبيا، وهي منطقة صوماليَّة انتزعتها إثيوبيا قسرًا من الصومال ودارت بين البلدين حروب بسببها، أو غيرها من الأوراق القوية هنا أو هناك، إلا أن ذلك كله لن يُجدي على المدى الاستراتيجي، وليس هناك حلّ سوى وحدة مصر والسودان.
يقول المفكر والمؤرخ المصري عبد الرحمن الرافعي: "إن ارتباط مصر والسودان ضرورة حيوية لهما، وخاصة مصر، فهي تستمدّ حياتها من النيل، ولا يتحقق استقلال مصر التام إلا إذا شمل وادي النيل من منبعه إلى مصبه، وصارت هي والسودان وحدة سياسيَّة، ومصر لا تستطيع أن تقف على قدميها منفصلةً عن السودان، والسودان لا يستطيع أن يقف على قدميه منفصلاً عن مصر، وإذا انفصلا يفقد كل منهما كيانه، ويصبح كلاهما إقليمًا تنقصه مشخّصات الدولة ومقوماتها".
المصدر: موقع الإسلام اليوم.
روابط ذات صلة:
- لماذا السودان بقلم الدكتور راغب السرجاني
- مخاطر انفصال جنوب السودان على مصر
- قصة دارفور بقلم الدكتور راغب السرجاني
- حل مشكلة دارفور بقلم د. راغب السرجاني
- دولة جنوب السودان .. ورقة إسرائيل الجديدة ضد العرب
- دولة جنوب السودان.. تحديات الداخل أخطر !!
- جنوب السودان .. والمخططات الصهيوأمريكية
- أدركوا السودان قبل أن يضيع
- انفصال الجنوب .. أنقذوا باقي السودان !
التعليقات
إرسال تعليقك