جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
في أجندة التجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم القوى المعارضة للحكومة السودانية وفي يوليو 2005 شاركت "حركة تحرير السودان" من دارفور لأول مرة
التجمع الوطني
في أجندة التجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم القوى المعارضة للحكومة السودانيية ففي يوليو 2005 شاركت "حركة تحرير السودان" من دارفور لأول مرة في اجتماعات التجمع وكانت المطالب متمثلة في إنهاء الحرب وإحداث التحول الديمقراطي وخلق نظام لامركزي ينقل السلطة من المركز إلى الولايات بصورة تنتهي معها ظاهرة "التهميش" الذي يعد سببا مباشرا يذكي نار الحرب وطالب الجميع ب- "تسوية سياسية عادلة وعاجلة للأزمة" اعتمادا لبروتوكول نيفاشا.
المؤتمر الشعبي
يرى المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور "حسن الترابي" أن الحكومة تبنت خطة تنقل بموجبها الآلة العسكرية من الجنوب بعد توقيع اتفاق السلام إلى دارفور ومناطق الصراع الأخرى "المناطق المهمشة" في غرب السودان وشرقه، وترى من ذلك "لامبالاة وعدم جدية". كما يوجه المؤتمر الشعبي نقدا شديدا للحكومة ذاكرا أن السياسة القمعية التي سلكتها الحكومة في علاج القضية هي التي أدت إلى هذا الواقع المأساوي. وتكاد تتطابق مطالبه لحل الأزمة مع بقية الأحزاب في التجمع وحتى حزب الأمة، وذلك من زاوية المطالبة بالحريات السياسية وإشراك القوى السياسية الأخرى في حل القضية والإصلاح والتعويض للمتضررين... ويقول د. خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة التي تعد من روافد المؤتمر الشعبي بحسب تصنيف القوى السياسية السودانية، في هذا الصدد إنهم حركة ضد التهميش وهيمنة مجموعات بعينها على السلطة والثروة في البلد ، وإنهم كحركة يقفون مع وحدة السودان.
حزب الأمة ودارفور
ولا يكاد حزب الأمة يختلف عن بقية الأحزاب والقوى السياسية من حيث إدانته للوضع المتردي ورفضه أسلوب العنف والتصعيد العسكري وتأييد الإصلاح الجذري. ويختصر حزب الأمة المطلوب عمله لمواجهة الوضع بدارفور في عدة نقاط أبرزها دعوته للاعتراف بالأخطاء السياسية من الخلل في التوازن التنموي وتسييس الجهاز الإداري الأهلي وتحويلهما إلى ذراع حزبي وأمني، وكذلك التفريط في مسألة التسليح والتدريب مما أدى إلى الانفلات الأمني، وعدم التصدي للفساد كظاهرة. ويدعو حزب الأمة إلى التسليم بحقائق موضوعية مثل الحقوق المشروعة للمزارعين والرعاة مع ضرورة الحياد وكفاءة الإدارة المدنية والأهلية، ويذهب لحد الدعوة إلى إعفاء حكام الولايات الحاليين وتعيين ولاة جدد من ذوي الكفاءة، والدعوة إلى مؤتمر جامع يمثل كل القوى السياسية التي كانت ممثلة في الجمعية التأسيسية المنتخبة عام 1986 وكذلك القوى التي أفرزتها المقاومة المسلحة للنظر في قسمة السلطة المركزية كأساس للتوازن لكل السودان. هذا إلى جانب كيفية إزالة آثار ثقافة العنف ومشروع نزع السلاح وإعادة الانضباط، ووضع خارطة استثمارية تعالج صراع الموارد.
الجانب الاقتصادي
كان بروز سلطنة "الفور" التي استمر وجودها فترة طويلة مما أدى إلى منح الإقليم سمة خاصة عبر تاريخه تمثلت في وجود وحدة سياسية برزت من خلال ظهور بيئة ثقافية اجتماعية ميزته عن باقي أقاليم السودان رغما عن اختلاف أعراقه.
وقد ظل إقليم دارفور يعاني من الإهمال طوال فترات الحكم الاستعماري البريطاني والحكومات الوطنية بجميع إشكالها المدنية منها والعسكرية، فقد تعامل البريطانيون بحذر مع دارفور وعملوا على تهميش الإقليم وعزله من خلال ما كان يعرف بسياسات المناطق المغلقة وذلك خشية انتشار روح التمرد والنزعة الاستقلالية التي كانت تسوده حيث شهدت دارفور عدة انتفاضات حينها.
ولم يكن وضع دارفور أفضل خلال عهد الحكومات الوطنية حيث فشلت النخب السياسية المدنية والعسكرية في معالجة قضايا الإقليم، وغاب عن سياساتها أي تصور تنموي أو اهتمام بتطوير البنية التحتية له، وقد صحب هذا الإهمال حدوث التدهور البيئي الذي ضرب دارفور كجزء من التدهور العام البيئي الذي أصاب منطقة السهل الإفريقي. ومما زاد الأمر صعوبة الزيادة المتنامية لسكان الإقليم ولرؤوس المواشي، مما قاد إلى بروز كارثة بيئية خطيرة ظلت مستمرة منذ أوائل سبعينات القرن الماضي، والى يومنا هذا، وبالطبع لا يجب إلقاء اللوم على حكومة البشير التي تعاني من حصار اقتصادي، وتدخلات خارجية من الجنوب، والشرق والغرب، وأجندة جاهزة بتفتيت أرض السودان إلى دويلات على غرار ما يحدث في العراق.
وقد أدت الظواهر الطبيعية مثل الجفاف والتصحر إلى حدوث هجرات واسعة من شمال الإقليم الصحراوي، واندفاع القبائل الرعوية إلى وسط وجنوب دارفور، ونتج عن تدفقات الهجرة هذه اختلال عميق ألقى بأعباء جديدة على البيئة المحلية، فقد اضطرت القبائل الرعوية إلى دخول حدود القبائل الأخرى المستقرة التي تعتمد على الزراعة، وترتب على ذلك حدوث احتكاكات تطورت إلى معارك راحت العديد من السلطات ضحايا لها.
وبالطبع كان للصراع الدائر بين الحكومة والجنوب دور كبير في هذا الخلل، فقد كانت مقدرات الدولة خلال أكثر من عقدين من الزمن موجهة ميزانية الحرب مع القبائل الجنوبية، مما أثر على الجانب التنموي في السودان ككل، وتنحي المعارضة السودانية باللائمة على الحكومة التي عانت من حصار اقتصادي طيلة فترة الحرب ن ومحاولة إرساء النظام.
النزاع بين السكان
سجل تاريخ دار فور الحديث عشرات النزاعات داخل القبائل وفيما بينها. هذه النزاعات شملت 22 قبيلة وعقدت لحلها مؤتمرات الصلح. أحصى زهير محمد بشار انعقاد 39 مؤتمر صلح في الفترة 1924م - 2003م.. هذه النزاعات تؤكد قوة العصبيات القبلية وشدة تأثيرها في العلاقات بين المواطنين. المؤتمرات التي عقدت تناولت الخلافات الإدارية - وسلطات الإدارات الأهلية - والعداوات الثأرية بين القبائل - والخلافات حول المصالح المعيشية.
كانت هناك نزاعات تقليدية على الموارد الشحيحة خاصة في المناطق الشمالية في دار فور التي تعرضت لجفاف تسبب في نزوح كثير من القبائل الشمالية جنوبا وكان أهم نزوح في هذا المجال نزوح القبائل الأبالة إلى مناطق جبل مرة ونزوح قبائل الزغاوة إلى جنوب دار فور. أراضي جبل مرة تتوافر فيها المياه والمراعي طول السنة ولكنها حوا كير لقبيلة الفور وهم يزرعونها. الرزيقات الشمال وبطونهم: الماهرية - المحاميد - العريقات - العطيفات - الزبلات - شطية، نزحوا إلى مناطق حول جبل مرة حيث نازعوا أهلها من الفور كما نزحوا غربا نحو الجنينة حيث نازعوا أهلها من قبيلة المساليت أما قبائل الزغاوة فتمتهن الزراعة وأجبرها الجفاف للنزوح جنوبا في أراضي يسكنها الرزيقات الجنوب وهناك وقعت نزاعات بلغت حد الاقتتال في العام 1996م، وأيضا قبائل الزغاوة التي تمتهن الزراعة وأجبرها الجفاف للنزوح جنوبا في أراضي يسكنها الرزيقات في الجنوب وهناك وقعت نزاعات بلغت حد الاقتتال في عام 1996م كان هذا قبل النزاعات، وموجات القحط، والتنقل الدائم شيئاً متاحاً، حيث يتشاركون في كل شيء، ولكن الوضع يختلف الآن، ولعله لا يستمر طويلا حتى تعود الوتيرة إلى سابق عهدها.
جذور الصراع
ظاهرة النهب المسلح ظهرت على أيدي جماعات من أصل قبيلة الزغاوة الذين شردهم الجفاف. وجماعات من أصل عربي شردها الجفاف وركزت على مناطق جبل مرة. سطو مسلح تمارسه جماعات من أصل تشادي وحيثما يضعف الأمن والنظام في تشاد تتأثر المناطق المجاورة سلبا في أمنها ونظامها. كما أن آثار الحرب الليبية التشادية - حدثت محاولة ليأذن السودان في عملياتها الحربية ولكن الحكومة السودانية لم توافق على ذلك مما سبب بعض التوتر في العلاقات. ولكن مع ذلك فإن بعض آثار تلك الحرب المؤسفة امتدت نحو دار فور.
كما أن تدفق بعض قبائل دول الجوار نحو إقليم دار فور، هؤلاء هاجروا للإقليم وأحدثوا بهجرتهم كثيرا من المشاكل ودخلوا طرفا في النهب المسلح كما دخلوا طرفا في النزاع بين أصحاب الحوا كير من القبائل السودانية والوافدين عليهم. هذا التدفق بدأ منذ الثمانينات، وأحصى يوسف تكنة في عام 1997م دخول 27 قبيلة من العرب مربيي الماشية من خارج السودان واستقرارهم في منطقة الجنينة وحدها.
وفي التاريخ كانت النزاعات قائمة وكلها على مصادر المياه أو الخلافات القبلية، ولكن الآن تدخل الخلاف السياسي، فكثير من أبناء القبائل ينتمون لتكتلات سياسية أو جزبية أشعلت نيران الخلاف الذي لم يكن معقدا قديماً، وظهرت في الإقليم العديد من القوى التي تحرض بإيعاز داخلي أو خارجي على حمل السلاح، وأصبحت كلمة شيوخ القبائل غير فاعلة كما كانت قديماً.
إذن الأزمة لم تبدأ في صيف 2003، كخلاف بين ذوي الأصول العربية، والأصور الأفريقية بل تعود لثلاثة عقود، والمسؤول الحقيقي عن إثارة الأزمة في الإقليم منذ انقلاب مايو 1969، هي الحكومات منذ عهد الرئيس السابق جعفر محمد نميري الذي كان متأثرا بالأفكار القومية الاشتراكية حينها وعمد إلى تفتيت الإدارة الأهلية القبلية القديمة في دارفور، منذ استقلال السودان1956م.
السودان اليوم يمثل الدولة الأكبر مساحة في أفريقيا، وتسكنه ديانات وقبائل متعددة. وإقليم دارفور وحده يمثل خمس مساحة السودان وفيه أكثر من 30 قبيلة وأكثر من 14لغة ولهجة محلية. والسودان كأي بلد أفريقي يعاني من المشكلات القديمة التي عانتها بلدان أخرى وهي: انعدام التنمية، ونقص الموارد الطبيعية، والتصحر، والجفاف الكبير الذي يقود قبائل كبيرة إلى الهجرة من منطقة إلى أخرى وإلى الصراع مع بعضها البعض على المراعي أو على الأرض. ويلخص الخبراء ثلاثة مظاهر للأزمة في شرق ووسط أفريقيا، أولاها: غياب الحقوق السياسية والاجتماعية لبعض الفئات الاجتماعية على أساس ديني أو عرقي إلى الدرجة التي يمكن اعتبار هذه الفئات معزولة تماماً عن البلد الذي تعيش فيه، ثم يتم استغلالها من قبل حركات تمرد تبني خطابها الأيدلوجي والحركي على استعادة الهوية الدينية أو العرقية أو القومية لتلك الفئات المهمشة. وأخيراً، يتم تحريك هذه الفئات الاجتماعية وأغلبها فئات اجتماعية بسيطة - فلاحين ورعاة - وتجنيدها في حرب - ذات بعد عرقي أو اجتماعي - طويلة المدى.
ولا يملك سكان المنطقة إلا معرفة قليلة بخصوص ما يحدث، فحين اندلعت الأزمة ظن الكثيرون أنها مواجهة عسكرية ما بين الحكومة ومجموعة من الثوار المسلحين والذين تمولهم جهات خارجية أجنبية بهدف إسقاط الحكومة أو استقلال الإقليم.
كان النقد موجها تجاه الحركات المسلحة كبيراً خصوصاً وأن الأخبار وقتها كانت تردد مشاركة بعض العسكريين السابقين في الجيش السوداني، ولكن الأمور أخذت منحنى مختلفاً حين دارت الشبهات حول ارتباط حركة العدل والمساواة بالمؤتمر الشعبي - حسن الترابي - ، وكان الخوف يساور الكثيرين في أن يتخذ الترابي من أزمة دارفور أداة للعودة للسلطة بالخرطوم على حساب شريكه السابق حزب المؤتمر الوطني الحاكم. أما الحكومة فكانت ترفض الحوار والتفاوض مع المجموعات المسلحة في دارفور - أبرزها جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة - ، وظلت الحكومة ترفض تصوير الصراع بوصفه تمرداً إقليمياً، بل كانت تسميه ب- "اعتداءات قطاع الطرق"، ثم حين ازدادت حدّة الصراع أطلقت عليه وصف "الحرب القبلية" في غرب السودان، وحاولت الحكومة مراراً ربط التمرد بأجندة داخلية وخارجية بدءاً من اتهام الحركة الشعبية لتحرير السودان - التي عقدت معها اتفاقية سلام لإنهاء الصراع في الجنوب - والمؤتمر الشعبي، وانتهاء باتهام تشاد وإريتريا وإسرائيل والولايات المتحدة جميعاً بالاشتراك بمخطط عام لتقسيم السودان.
بعض من يعتقدون في نظرية المؤامرة يرون أن التدخل الغربي بالإضافة لإسرائيل التي تعمل أصابعها في الخفاء كمرتزقة ينوبون عن أمريكا ليحول أولئك دون صفقة بترولية بين السودان والصين، لأن دخولها إيذان للدخول في مناطق نفوذ محرمة تسعى أمريكا من خلالها للسيطرة على النفط في المنطقة، بالطبع - في المنطقة العربية - دعم القوميون واليساريون العرب هذه المزاعم تحت ذريعة أن الدول الغربية تريد التدخل في السودان للحيلولة دون إتمام صفقات النفط الصينية - السودانية، ومحاصرة توسع الاستثمار الصيني الزاحف على أفريقيا.
أما الإسلاميون فكان موقف بعضهم في البداية دعم حركة التمرد، ولكن حين دب الخلاف ما بين الترابي وزعامات الإسلام السياسي حول فتاواه المثيرة للجدل مؤخراً وتقاربت حركة العدل والمساواة مع حركات مسلحة إثنية علمانية أخرى، انقلبوا ضد التمرد وأيدوا مزاعم الحكومة السودانية بنية أمريكية لتقسيم السودان واحتلاله بعد العراق، وكذلك انضمت إيران في تحالف مثير للجدل مع السودان ضد مساعي مجلس الأمن لحفظ الأمن في الإقليم. وحين توالت أخبار المذابح في دارفور أنكر بعض الإسلاميين ذلك وادعوا أنها مبالغات الجماعات التبشيرية المسيحية واللوبي اليهودي في أمريكا الذي يسعى لاستغلال الأزمة، ولكنهم في المقابل لم يسألوا عن الضحايا، بل طالب البعض منهم بفتح جبهة جهادية هناك فيما لو قدمت قوات الأمم المتحدة لحماية الإقليم .
في أجندة التجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم القوى المعارضة للحكومة السودانيية ففي يوليو 2005 شاركت "حركة تحرير السودان" من دارفور لأول مرة في اجتماعات التجمع وكانت المطالب متمثلة في إنهاء الحرب وإحداث التحول الديمقراطي وخلق نظام لامركزي ينقل السلطة من المركز إلى الولايات بصورة تنتهي معها ظاهرة "التهميش" الذي يعد سببا مباشرا يذكي نار الحرب وطالب الجميع ب- "تسوية سياسية عادلة وعاجلة للأزمة" اعتمادا لبروتوكول نيفاشا.
المؤتمر الشعبي
يرى المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور "حسن الترابي" أن الحكومة تبنت خطة تنقل بموجبها الآلة العسكرية من الجنوب بعد توقيع اتفاق السلام إلى دارفور ومناطق الصراع الأخرى "المناطق المهمشة" في غرب السودان وشرقه، وترى من ذلك "لامبالاة وعدم جدية". كما يوجه المؤتمر الشعبي نقدا شديدا للحكومة ذاكرا أن السياسة القمعية التي سلكتها الحكومة في علاج القضية هي التي أدت إلى هذا الواقع المأساوي. وتكاد تتطابق مطالبه لحل الأزمة مع بقية الأحزاب في التجمع وحتى حزب الأمة، وذلك من زاوية المطالبة بالحريات السياسية وإشراك القوى السياسية الأخرى في حل القضية والإصلاح والتعويض للمتضررين... ويقول د. خليل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة التي تعد من روافد المؤتمر الشعبي بحسب تصنيف القوى السياسية السودانية، في هذا الصدد إنهم حركة ضد التهميش وهيمنة مجموعات بعينها على السلطة والثروة في البلد ، وإنهم كحركة يقفون مع وحدة السودان.
حزب الأمة ودارفور
ولا يكاد حزب الأمة يختلف عن بقية الأحزاب والقوى السياسية من حيث إدانته للوضع المتردي ورفضه أسلوب العنف والتصعيد العسكري وتأييد الإصلاح الجذري. ويختصر حزب الأمة المطلوب عمله لمواجهة الوضع بدارفور في عدة نقاط أبرزها دعوته للاعتراف بالأخطاء السياسية من الخلل في التوازن التنموي وتسييس الجهاز الإداري الأهلي وتحويلهما إلى ذراع حزبي وأمني، وكذلك التفريط في مسألة التسليح والتدريب مما أدى إلى الانفلات الأمني، وعدم التصدي للفساد كظاهرة. ويدعو حزب الأمة إلى التسليم بحقائق موضوعية مثل الحقوق المشروعة للمزارعين والرعاة مع ضرورة الحياد وكفاءة الإدارة المدنية والأهلية، ويذهب لحد الدعوة إلى إعفاء حكام الولايات الحاليين وتعيين ولاة جدد من ذوي الكفاءة، والدعوة إلى مؤتمر جامع يمثل كل القوى السياسية التي كانت ممثلة في الجمعية التأسيسية المنتخبة عام 1986 وكذلك القوى التي أفرزتها المقاومة المسلحة للنظر في قسمة السلطة المركزية كأساس للتوازن لكل السودان. هذا إلى جانب كيفية إزالة آثار ثقافة العنف ومشروع نزع السلاح وإعادة الانضباط، ووضع خارطة استثمارية تعالج صراع الموارد.
الجانب الاقتصادي
كان بروز سلطنة "الفور" التي استمر وجودها فترة طويلة مما أدى إلى منح الإقليم سمة خاصة عبر تاريخه تمثلت في وجود وحدة سياسية برزت من خلال ظهور بيئة ثقافية اجتماعية ميزته عن باقي أقاليم السودان رغما عن اختلاف أعراقه.
وقد ظل إقليم دارفور يعاني من الإهمال طوال فترات الحكم الاستعماري البريطاني والحكومات الوطنية بجميع إشكالها المدنية منها والعسكرية، فقد تعامل البريطانيون بحذر مع دارفور وعملوا على تهميش الإقليم وعزله من خلال ما كان يعرف بسياسات المناطق المغلقة وذلك خشية انتشار روح التمرد والنزعة الاستقلالية التي كانت تسوده حيث شهدت دارفور عدة انتفاضات حينها.
ولم يكن وضع دارفور أفضل خلال عهد الحكومات الوطنية حيث فشلت النخب السياسية المدنية والعسكرية في معالجة قضايا الإقليم، وغاب عن سياساتها أي تصور تنموي أو اهتمام بتطوير البنية التحتية له، وقد صحب هذا الإهمال حدوث التدهور البيئي الذي ضرب دارفور كجزء من التدهور العام البيئي الذي أصاب منطقة السهل الإفريقي. ومما زاد الأمر صعوبة الزيادة المتنامية لسكان الإقليم ولرؤوس المواشي، مما قاد إلى بروز كارثة بيئية خطيرة ظلت مستمرة منذ أوائل سبعينات القرن الماضي، والى يومنا هذا، وبالطبع لا يجب إلقاء اللوم على حكومة البشير التي تعاني من حصار اقتصادي، وتدخلات خارجية من الجنوب، والشرق والغرب، وأجندة جاهزة بتفتيت أرض السودان إلى دويلات على غرار ما يحدث في العراق.
وقد أدت الظواهر الطبيعية مثل الجفاف والتصحر إلى حدوث هجرات واسعة من شمال الإقليم الصحراوي، واندفاع القبائل الرعوية إلى وسط وجنوب دارفور، ونتج عن تدفقات الهجرة هذه اختلال عميق ألقى بأعباء جديدة على البيئة المحلية، فقد اضطرت القبائل الرعوية إلى دخول حدود القبائل الأخرى المستقرة التي تعتمد على الزراعة، وترتب على ذلك حدوث احتكاكات تطورت إلى معارك راحت العديد من السلطات ضحايا لها.
وبالطبع كان للصراع الدائر بين الحكومة والجنوب دور كبير في هذا الخلل، فقد كانت مقدرات الدولة خلال أكثر من عقدين من الزمن موجهة ميزانية الحرب مع القبائل الجنوبية، مما أثر على الجانب التنموي في السودان ككل، وتنحي المعارضة السودانية باللائمة على الحكومة التي عانت من حصار اقتصادي طيلة فترة الحرب ن ومحاولة إرساء النظام.
النزاع بين السكان
سجل تاريخ دار فور الحديث عشرات النزاعات داخل القبائل وفيما بينها. هذه النزاعات شملت 22 قبيلة وعقدت لحلها مؤتمرات الصلح. أحصى زهير محمد بشار انعقاد 39 مؤتمر صلح في الفترة 1924م - 2003م.. هذه النزاعات تؤكد قوة العصبيات القبلية وشدة تأثيرها في العلاقات بين المواطنين. المؤتمرات التي عقدت تناولت الخلافات الإدارية - وسلطات الإدارات الأهلية - والعداوات الثأرية بين القبائل - والخلافات حول المصالح المعيشية.
كانت هناك نزاعات تقليدية على الموارد الشحيحة خاصة في المناطق الشمالية في دار فور التي تعرضت لجفاف تسبب في نزوح كثير من القبائل الشمالية جنوبا وكان أهم نزوح في هذا المجال نزوح القبائل الأبالة إلى مناطق جبل مرة ونزوح قبائل الزغاوة إلى جنوب دار فور. أراضي جبل مرة تتوافر فيها المياه والمراعي طول السنة ولكنها حوا كير لقبيلة الفور وهم يزرعونها. الرزيقات الشمال وبطونهم: الماهرية - المحاميد - العريقات - العطيفات - الزبلات - شطية، نزحوا إلى مناطق حول جبل مرة حيث نازعوا أهلها من الفور كما نزحوا غربا نحو الجنينة حيث نازعوا أهلها من قبيلة المساليت أما قبائل الزغاوة فتمتهن الزراعة وأجبرها الجفاف للنزوح جنوبا في أراضي يسكنها الرزيقات الجنوب وهناك وقعت نزاعات بلغت حد الاقتتال في العام 1996م، وأيضا قبائل الزغاوة التي تمتهن الزراعة وأجبرها الجفاف للنزوح جنوبا في أراضي يسكنها الرزيقات في الجنوب وهناك وقعت نزاعات بلغت حد الاقتتال في عام 1996م كان هذا قبل النزاعات، وموجات القحط، والتنقل الدائم شيئاً متاحاً، حيث يتشاركون في كل شيء، ولكن الوضع يختلف الآن، ولعله لا يستمر طويلا حتى تعود الوتيرة إلى سابق عهدها.
جذور الصراع
ظاهرة النهب المسلح ظهرت على أيدي جماعات من أصل قبيلة الزغاوة الذين شردهم الجفاف. وجماعات من أصل عربي شردها الجفاف وركزت على مناطق جبل مرة. سطو مسلح تمارسه جماعات من أصل تشادي وحيثما يضعف الأمن والنظام في تشاد تتأثر المناطق المجاورة سلبا في أمنها ونظامها. كما أن آثار الحرب الليبية التشادية - حدثت محاولة ليأذن السودان في عملياتها الحربية ولكن الحكومة السودانية لم توافق على ذلك مما سبب بعض التوتر في العلاقات. ولكن مع ذلك فإن بعض آثار تلك الحرب المؤسفة امتدت نحو دار فور.
كما أن تدفق بعض قبائل دول الجوار نحو إقليم دار فور، هؤلاء هاجروا للإقليم وأحدثوا بهجرتهم كثيرا من المشاكل ودخلوا طرفا في النهب المسلح كما دخلوا طرفا في النزاع بين أصحاب الحوا كير من القبائل السودانية والوافدين عليهم. هذا التدفق بدأ منذ الثمانينات، وأحصى يوسف تكنة في عام 1997م دخول 27 قبيلة من العرب مربيي الماشية من خارج السودان واستقرارهم في منطقة الجنينة وحدها.
وفي التاريخ كانت النزاعات قائمة وكلها على مصادر المياه أو الخلافات القبلية، ولكن الآن تدخل الخلاف السياسي، فكثير من أبناء القبائل ينتمون لتكتلات سياسية أو جزبية أشعلت نيران الخلاف الذي لم يكن معقدا قديماً، وظهرت في الإقليم العديد من القوى التي تحرض بإيعاز داخلي أو خارجي على حمل السلاح، وأصبحت كلمة شيوخ القبائل غير فاعلة كما كانت قديماً.
إذن الأزمة لم تبدأ في صيف 2003، كخلاف بين ذوي الأصول العربية، والأصور الأفريقية بل تعود لثلاثة عقود، والمسؤول الحقيقي عن إثارة الأزمة في الإقليم منذ انقلاب مايو 1969، هي الحكومات منذ عهد الرئيس السابق جعفر محمد نميري الذي كان متأثرا بالأفكار القومية الاشتراكية حينها وعمد إلى تفتيت الإدارة الأهلية القبلية القديمة في دارفور، منذ استقلال السودان1956م.
السودان اليوم يمثل الدولة الأكبر مساحة في أفريقيا، وتسكنه ديانات وقبائل متعددة. وإقليم دارفور وحده يمثل خمس مساحة السودان وفيه أكثر من 30 قبيلة وأكثر من 14لغة ولهجة محلية. والسودان كأي بلد أفريقي يعاني من المشكلات القديمة التي عانتها بلدان أخرى وهي: انعدام التنمية، ونقص الموارد الطبيعية، والتصحر، والجفاف الكبير الذي يقود قبائل كبيرة إلى الهجرة من منطقة إلى أخرى وإلى الصراع مع بعضها البعض على المراعي أو على الأرض. ويلخص الخبراء ثلاثة مظاهر للأزمة في شرق ووسط أفريقيا، أولاها: غياب الحقوق السياسية والاجتماعية لبعض الفئات الاجتماعية على أساس ديني أو عرقي إلى الدرجة التي يمكن اعتبار هذه الفئات معزولة تماماً عن البلد الذي تعيش فيه، ثم يتم استغلالها من قبل حركات تمرد تبني خطابها الأيدلوجي والحركي على استعادة الهوية الدينية أو العرقية أو القومية لتلك الفئات المهمشة. وأخيراً، يتم تحريك هذه الفئات الاجتماعية وأغلبها فئات اجتماعية بسيطة - فلاحين ورعاة - وتجنيدها في حرب - ذات بعد عرقي أو اجتماعي - طويلة المدى.
ولا يملك سكان المنطقة إلا معرفة قليلة بخصوص ما يحدث، فحين اندلعت الأزمة ظن الكثيرون أنها مواجهة عسكرية ما بين الحكومة ومجموعة من الثوار المسلحين والذين تمولهم جهات خارجية أجنبية بهدف إسقاط الحكومة أو استقلال الإقليم.
كان النقد موجها تجاه الحركات المسلحة كبيراً خصوصاً وأن الأخبار وقتها كانت تردد مشاركة بعض العسكريين السابقين في الجيش السوداني، ولكن الأمور أخذت منحنى مختلفاً حين دارت الشبهات حول ارتباط حركة العدل والمساواة بالمؤتمر الشعبي - حسن الترابي - ، وكان الخوف يساور الكثيرين في أن يتخذ الترابي من أزمة دارفور أداة للعودة للسلطة بالخرطوم على حساب شريكه السابق حزب المؤتمر الوطني الحاكم. أما الحكومة فكانت ترفض الحوار والتفاوض مع المجموعات المسلحة في دارفور - أبرزها جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة - ، وظلت الحكومة ترفض تصوير الصراع بوصفه تمرداً إقليمياً، بل كانت تسميه ب- "اعتداءات قطاع الطرق"، ثم حين ازدادت حدّة الصراع أطلقت عليه وصف "الحرب القبلية" في غرب السودان، وحاولت الحكومة مراراً ربط التمرد بأجندة داخلية وخارجية بدءاً من اتهام الحركة الشعبية لتحرير السودان - التي عقدت معها اتفاقية سلام لإنهاء الصراع في الجنوب - والمؤتمر الشعبي، وانتهاء باتهام تشاد وإريتريا وإسرائيل والولايات المتحدة جميعاً بالاشتراك بمخطط عام لتقسيم السودان.
بعض من يعتقدون في نظرية المؤامرة يرون أن التدخل الغربي بالإضافة لإسرائيل التي تعمل أصابعها في الخفاء كمرتزقة ينوبون عن أمريكا ليحول أولئك دون صفقة بترولية بين السودان والصين، لأن دخولها إيذان للدخول في مناطق نفوذ محرمة تسعى أمريكا من خلالها للسيطرة على النفط في المنطقة، بالطبع - في المنطقة العربية - دعم القوميون واليساريون العرب هذه المزاعم تحت ذريعة أن الدول الغربية تريد التدخل في السودان للحيلولة دون إتمام صفقات النفط الصينية - السودانية، ومحاصرة توسع الاستثمار الصيني الزاحف على أفريقيا.
أما الإسلاميون فكان موقف بعضهم في البداية دعم حركة التمرد، ولكن حين دب الخلاف ما بين الترابي وزعامات الإسلام السياسي حول فتاواه المثيرة للجدل مؤخراً وتقاربت حركة العدل والمساواة مع حركات مسلحة إثنية علمانية أخرى، انقلبوا ضد التمرد وأيدوا مزاعم الحكومة السودانية بنية أمريكية لتقسيم السودان واحتلاله بعد العراق، وكذلك انضمت إيران في تحالف مثير للجدل مع السودان ضد مساعي مجلس الأمن لحفظ الأمن في الإقليم. وحين توالت أخبار المذابح في دارفور أنكر بعض الإسلاميين ذلك وادعوا أنها مبالغات الجماعات التبشيرية المسيحية واللوبي اليهودي في أمريكا الذي يسعى لاستغلال الأزمة، ولكنهم في المقابل لم يسألوا عن الضحايا، بل طالب البعض منهم بفتح جبهة جهادية هناك فيما لو قدمت قوات الأمم المتحدة لحماية الإقليم .
التعليقات
إرسال تعليقك