التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
عبر المرابطون البحر وكانت معركة الزَّلاَّقَة التي انتصر فيها المسلمين نصرًا عظيمًا، ونُكب فيها جيش ألفونسو السادس الصليبي نكبة مريعة بأعداده الضخمة
تجربة تاريخية جديدة، كان مسرح أحداثها فوق أندلس المسلمين، وقد ارتبطت هذه التجربة باسم قائدين مسلمَين المعتمد بن عباد ويوسف بن تاشفين، وكان موقعها الزلاقة على ضفاف وادي نهريانة.
لقد ولد المعتمد بن عباد وعاش في بلاد الأندلس، وعاش حياة الترف والدعة، فقد ضمن له أبوه توحيد أكبر عدد من إمارات الأندلس الممزقة المتصارعة فيما بينها، وسار المعتمد على سيرة أبيه غير أنه لم ينس نصيبه من الدنيا.
فقد كان المعتمد فارسًا شجاعًا، وشاعرًا ماضيًا، مشكور السيرة في رعيته، كما كان من الملوك الفضلاء، والشجعان العقلاء، والاجواد الأسخياء المأمونين، وكان شاعرًا رائع الشعر، وشغوفًا بالأدب وعلومه، إلا أنه كان مولعًا بالخمر، منغمسًا في اللذات، عاكفًا على البطالة، مخلدًا إلى الراحة؛ فكان ذلك سبب عطبه وأصل هلاكه.
أما يوسف بن تاشفين فقد ولد في صحراء المغرب الإسلامي، وكانت بلاد المغرب تعاني من التمزق، فعمل على توحيدها بجيش المرابطين، ومضى يدعم قواعد دولة المسلمين ويعززها، حتى غدت دولة قوية قادرة على حماية المغرب الإسلامي والدفاع عنه.
في تلك الفترة من حياة المسلمين، وتحديدًا في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، أو في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي بدأ الفرنج الصليبيون في التطلع للنيل من الدولة الإسلامية، في مشرق العالم الإسلامي ومغربه، فبدأت روح الصليبية المتعصبة العمياء في التحرك على المستوى الشامل، غير أنْ قوة المسلمين السلاجقة أحبطت نوياهم في المشرق عندما هزمت فصائلهم في معركة ملاذكرد في عام سنة 463هـ= 1071م، والتي كانت من أقوى المعارك في تاريخ المسلمين، على الرغم من أنها لم تكن أول معركة حاسمة ينتصر فيها المسلمون.
بدأت محاولة الصليبيين بالتوجه إلى الأندلس التي كانت في حرب دائمة وصراع مستمر قاده القشتاليون النصارى ضد المسلمين، حتى إذا ما جاءت سنة 478هـ= 1085م التي استطاعت فيها حشود الصليبيين تحقيق أول انتصار حاسم على المسلمين بالاستيلاء على مدينة طُليطلة، وتردد صدى هذا الحدث قويًا رهيبًا في الشرق والغرب على السواء، فقد وجد فيه الفرنج الصليبيون بداية الانتقال الشامل من الدفاع إلى الهجوم، ووجد فيه المسلمون حافزًا قويًا أيقظهم من غفوتهم ونبههم إلى الاخطار التي باتت محدقة بهم. كان ملك إشبيلية المعتمد بن عباد هو أول من تنبه للخطر، فمضى يحشد القوى ويستنهض العزائم، ويطلب الدعم ممن حوله، وكان أمير المسلمين في المغرب يوسف بن تاشفين في طليعة من لجأ إليه المعتمد بن عباد.
وعلى الرغم من أن بعض الزعماء رفض فكرة استنجاد المعتمد بابن تاشفين إلاَّ أنْ الله سبحانه وتعالى ألهم المعتمد بن عباد بهذه العزيمة والإصرار، وقال كلمته الخالدة التي صارت مثلاً: «رَعْيُ الجمال خير من رَعْيِ الخنازير»، ومعناه أن كونه مأكولاً ليوسف بن تاشفين أسيرًا يرعى جماله في الصحراء، خير من كونه ممزَّقًا للأذفونش أسيرًا له يرعى خنازيره في قشتالة، وقال لعُذَّاله ولوَّامه: يا قوم؛ إني من أمري على حالتين: حالة يقين، وحالة شكٍّ، ولا بُدَّ لي من إحداهما، أما حالة الشكِّ فإني إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى الأذفونش ففي الممكن أن يفي لي ويبقى على وفائه، ويمكن أن لا يفعل، فهذه حالة شكٍّ، وأما حالة اليقين فإني إن استندت إلى ابن تاشفين فأنا أُرضي الله، وإن استندت إلى الأذفونش أسخطتُ الله تعالى، فإذا كانت حالة الشكِّ فيها عارضة، فلأي شيء أدع ما يُرضي الله وآتي ما يُسخطه؟ فحينئذ قصرأصحابه عن لومه».
أسرع يوسف بن تاشفين لتلبية نداء الإسلام المنطلق من قلب أندلس المسلمين، فأَعَدَّ العُدَّة وجهَّز السفن، وبينما يعبر مضيق جبل طارق وفي وسطه يهيج البحر، وترتفع الأمواج، وتكاد السفن أن تغرق، وكما كان قائدًا يقف هنا قدوة وإمامًا، خاشعًا ذليلاً، يرفع يديه إلى السماء ويقول: «اللهم إن كنت تعلم أنْ في جوازي هذا خيرًا وصلاحًا للمسلمين فسهِّل علينا جواز هذا البحر، وإنْ كان غير ذلك فصعِّبْه عليَّ حتى لا أجوزه». فتسكن الريح، ويَعْبُر هو ومَنْ معه، وعند أول وصول له يسجدُ لله شكرًا أنْ مكَّنَهُ من العبور، وأن اختاره ليكون جنديًّا من جنوده سبحانه وتعالى ومجاهدًا في سبيله.
يدخل يوسف بن تاشفين أرض الأندلس، ويدخل إلى إِشْبِيلِيَة والناس يستقبلونه استقبال الفاتحين، ثم اجتمع بالمعتمد بن عباد وعساكره، ثم تحرَّك معه ثلاثون ألف رجل وكانت معركة الزَّلاَّقَة الظافرة والتي وقعت في يوم الجمعة الموافق 12 من شهر رجب 479هـ= 23 من أكتوبر 1086م، والتي انتصر فيها المسلمين نصرًا عصيمًا، ونُكب فيها النصارى نكبة مريعة بأعدادهم الضخمة التي بلغت في بعض التقديرات أكثر من ثلاثمائة ألف مقاتل، على رأسهم ألفونسو السادس بعد أن جاءه العون من الممالك النصرانية فرنسا وإيطاليا وغيرها، وقَدِمَ ألفونسو السادس يحمل الصلبان وصور المسيح، وهو يقول: بهذا الجيش أقاتل الجنَّ والإنس، وأقاتل ملائكة السماء، فهو يعرف تمامًا أنها حرب صليبية ضد الإسلام[1].
[1] بسام العسلي: قادة الحروب الصليبية المسلمون، دار النفائس، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1433هـ= 2012م، ص547، 548، ودكتور راغب السرجاني: قصة الأندلس، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الأولى، 1432هـ=2011م، 1/ 352- 511.
التعليقات
إرسال تعليقك