ملخص المقال
كانت حرب الولايات المتحدة الأمريكية على ما سمته الإرهاب مدعاة لظهور ما سيسمى لاحقا في العالم، والمشرق العربي خاصة محوري: الاعتدال والممانعة
بقلم: السيد حمدي يحظيه
كانت حرب الولايات المتحدة الأمريكية على ما سمته "الإرهاب" مدعاة لظهور ما سيسمى لاحقا في العالم، والمشرق العربي خاصة محوري: الاعتدال والممانعة. ما يُسمى محور "الاعتدال" هو تسمية أمريكية خالصة مثلها مثل تسمية الحرب على الإرهاب، أما المقاومين للمشروع الأمريكي، الذين يسميهم الأمريكيون "المتطرفون" فكانت ردة فعلهم هي تسمية أنفسهم بالممانعين والمقاومين بدل المتطرفين للهروب من ثقل كلمة تطرف. هذان المصطلحان الجديدان في اللغة الرسمية الحديثة حلا محل مصطلحي الشيوعية والرأسمالية الذين كانا سائدين في العقود الماضية والذين كانا يعنيان أن الشيوعية "تطرف" و"شر" والراسمالية "اعتدال" و"خير". لكن حين نحاول أن نعرف ماذا تعني الولايات المتحدة والمصفقين لها والمتبنيين لأفكارها وسياستها بالاعتدال نجد أن المصطلح لا يقتصر على دول معينة ولا حركات بعينها في مكان ما، لكنه بشمولية يعني أن من تبنى السياسة والمفاوضات ونبذ المقاومة بكل أشكالها والاستماع إلى نصائح أمريكا والانجرار وراء الأمم المتحدة هو المعتدل، أما الذي يرفع بندقيته وصوته ويطالب بحقه ويكافح من أجله فهو متطرف حتى لو كان ما يقاوم من اجله هو حق وقانون، فهو في نظر الأمريكيين ومن والاهم "متطرف". وفي ظل هذا الانقسام الحاصل في العالم الآن بين المقاومين "المتطرفين" والمعتدلين "المنبطحين" أو " yes men " لسياسة أمريكا أين يمكن أن نضع البوليساريو.؟ هل هي في صف المعتدلين والمسالمين، وبالتالي تُصنف ضمن الذين ترضى عنهم أمريكا وتكتب لهم جيد جدا على الهامش بالأحمر، أم أنها في محور المقاومة والممانعة للهيمنة والاستعمار، وبالتالي هي مغضوب عليها من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وتنال دائما صفرا كبيرا؟ في الماضي حين كانت الحرب سجالا بين الشيوعية والرأسمالية نأت البوليساريو بنفسها عن التموقع مع أحد الفريقين في خندق، ورفضت أن تحمل علما أحمرا أو أزرقا، ووقفت في الوسط في خط تقاطع النيران بين الطرفين، فلا هي استفادت من دعم رأسمالي ولا من دعم شيوعي، والأكثر من ذلك أنها تلقت الضربات من الطرفين المتصارعين بعنف وحشي. وحين انتهت الحرب الباردة، لم تسقط البوليساريو بسقوط الاتحاد السوفياتي، لكن لم تصعد إلى السماء بصعود أمريكا والرأسمالية. الآن في ظل الحرب الساخنة بين المعتدلين والممانعين أين تقع البوليساريو؟ من حيث توجهها هي حركة تحررية تقود شعبا مشردا أرضه مستعمرة والعصا تضربه على الرأس يوميا أمام أنظار العالم، أما من حيث تعاملها فهي تتعامل كأنها حركة معتدلة، فهي لم تقل يوما ما "أُفِ" للأمم المتحدة ولا لأمريكا ولم تنهرهما، وحسب ما هو واقع فهي لا تريد في الوقت الراهن ولا في الوقت القادم أن تطرد بعثة الأمم المتحدة "المينورصو" السيئة الصيت، ولا هي تهددها أو تحاصرها حتى تحافظ على نقاط حسن السلوك والسيرة التي يمدحها بها الأمين العام للأمم المتحدة في كل تقرير. إذن البوليساريو هي حركة معتدلة بسبب تعلقها بأذيال وأهداب الأمم المتحدة، وهذه الأخيرة تعتبرها كذلك، لكن المشكلة أن أمريكا وفرنسا وبريطانيا، وهي الدول التي تسجل أو تحذف في من سجل المعتدلين، لا تنظر إليها أنها كذلك، وبالتالي ترى أن البوليساريو، حتى يتم تسجيلها في صف المعتدلين، لا زال يلزمها الانتحار وقبول الحكم الذاتي حتى "يرضى عنها اليهود والنصارى". كتحصيل حاصل البوليساريو ما زالت تنقصها نقطة (قبول الحكم الذاتي) حتى تكون معتدلة، لكن المشكلة أن قبول تلك النقطة هو بمثابة قبول شرب جرعة سامة تتبعها الموت. وبما أنها لا زالت لا تستوفى شروط الاعتدال، ولا تستطيع أن تستوفيها أبدا إذا أرادت الحياة والكرامة بما فيها من ذلة واحتقار، فالحاصل والبديهي أنها يجب أن تنضم لمحور الممانعة دون لف ولا دوران. لكن حتى تنضم لمحور الممانعة ينقصها أيضا أن تستوفي شروطه التي من بينها قطع التعامل مع الأمم المتحدة وطرد بعثتها من الصحراء الغربية في أسرع وقت والعودة إلى الكفاح المسلح. إن عدم استيفاء شروط الممانعة أو الاعتدال يجعل البوليساريو في نظر العالم تقبض الحبل من المنتصف وهو موقف سياسي خاطئ تماما. إن التعامل الأملس مع الأمم المتحدة قد يجعل الأمر يدفع إلى بروز تيار صحراوي رافض للأمم المتحدة يحدث انقساما في الصف الصحراوي غير القابل للانقسام. إن نفس الشيء حدث في فلسطين منذ مدة، وسببه أن التعامل المعتدل لم يؤد إلى شيء فكانت النتيجة هو الانقسام في الصف الذي أدى إلى الاقتتال في بعض الوقت. إن أي انقسام في صف البوليساريو لن يستفيد منه أي طرف ما عدا المغرب مثلما استفادت إسرائيل من الانقسام الفلسطيني. إن النتيجة أن المقاومة والممانعة أفضل بكثير من التعامل السياسي الذي لا طائل منه مع الأمم المتحدة.
التعليقات
إرسال تعليقك