جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
عمليات الضفة.. عودة مقاومة أم أحداث عابرة؟ مقال للدكتور عدنان أبو عامر يوضح الوضع الأمني في الضفة بعد خطف وقتل جنديين إسرائيليين، وأثر ذلك على السلطة
فور مقتل الجنديين الإسرائيليين الأسبوع الماضي في حدثين منفصلين في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية، طالبت محافل سياسية صهيونية رئيس الوزراء بعدم إطلاق سراح المزيد من الأسرى الفلسطينيين، وأنّ الرد على هذه العمليات يجب أن يكون حربًا ضد المنفذين، وفي الأيام التي يعود فيها العنف ضد الجنود والمستوطنين لرفع رأسه أمام ضعف سياسي، فيجب العودة، وفقًا للمطلب الإسرائيلي، والمطالبة بدعوة "الجيش لينتصر".
فيما اعتبرت أوساط عسكرية من داخل الجيش أنَّ مقتل الجنديين مجرد مصادفة، ولا يشير بالضرورة إلى تصعيد في الأوضاع الأمنية بالضفة الغربية، أو توجه جديد، وأن الجيش سيعمل حتى لا يصبح ذلك توجهًا جديدًا، بعد أن عزز نشاطه الميداني قدر الإمكان، عبر الدفع بقوات جديدة.
وأشارت إلى أن الوضع الأمني في الضفة الغربية اليوم يختلف تمام الاختلاف عن السنوات الأولى للانتفاضة؛ فقد ذوت الانتفاضة أوائل عامي 2005–2006، والسيطرة الاستخبارية "لـلشاباك" والجيش وأجهزة أمن السلطة عميقة جدًّا؛ مما أسفر في النهاية عن هدوء جديد يشجع دخول يهود كثيرين إليها، ويهيئ أهدافًا جديدة للعمليات المسلحة.
كما يبدو هدف الاختطاف للعملية مبادرة محلية وعمل فردي، وليس معلومًا وجود منظمة مسلحة تقف وراء العملية، على الرغم مما يتوفر عند الجيش و"الشاباك" من إنذارات دائمة بمحاولات اختطاف مستوطنين وجنود في الضفة؛ وذلك في إطار جهد لفرض الإفراج عن السجناء على دولة الكيان الصهيوني.
وقد أحبط في السنة الأخيرة عددًا من هذه الخطط لخلايا من حركة حماس في الضفة، عملت على نحو عام بناء على توجيهات من قيادتها في غزة، وفقًا للمزاعم الإسرائيلية؛ لأن نجاح حماس بالإفراج عن 1027 أسيرًا في صفقة التبادل الأخيرة يحفز لمحاولات أخرى من قبل المنظمة وفصائل أخرى، ولمبادرات محلية كما في هذه المرة.
في الوقت ذاته يمكن توقع ألا تؤثر العمليات الأخيرة على العلاقات بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، على الرغم من أنه سيثير دعوات لعملية حازمة من قبل المقاعد الخلفية في أحزاب اليمين الصهيوني.
لكن الجانب المشترك بمحاولات الاختطاف في الضفة الغربية أن الخاطفين يدركون أنهم لا يستطيعون احتجاز مختطف حيًّا؛ لأنه يوجب انشغالاً دائمًا حوله يثير الانتباه الاستخباري، ولهذا يسارعون إلى قتله، وهذا وضع يختلف تمام الاختلاف عن الوضع في قطاع غزة، حيث نجحت حماس بالإبقاء على "شاليط" حيًّا أكثر من 5 سنوات دون أن تنجح "إسرائيل" بمعرفة موقعه وتخليصه.
ومع ذلك فقد دفعت العمليات الأخيرة بقيادة المنطقة الوسطى في الجيش الصهيوني للتشديد على الأنظمة في الوحدات والرقابة في محطات النقل في المناطق الفلسطينية؛ حيث اكتشفت دوريات سرية للشرطة العسكرية جنودًا كانوا ينتظرون للركوب مجانًا خلافًا لأنظمة الجيش، وقد عاقبهم قادتهم بشدة.
وبالتالي تعتمد السيطرة الاستخبارية الصهيونية في الضفة الغربية على تنسيق أمني وثيق مع السلطة الفلسطينية؛ لكنها تعتمد قبل كل شيء على حرية عمل كاملة في الميدان، بالقدرة على الدخول سريعًا وقت الحاجة لكل مكان في الضفة، واحتجاز مشتبه فيهم من أجل التحقيق معهم، وهذا فرق بارز في الواقع الأمني بالقياس بالوضع الذي كان يسود الميدان قبل 10 سنوات.
لكن ذلك -وعلى الرغم من كل تنازلات السلطة بقيادة محمود عباس أبو مازن- لم يمنع أوساطًا أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى من توجيه انتقادات حادة للسلطة الفلسطينية، واتهامها بالتواني عن مكافحة العمليات المسلحة، وأن عملها بهذا المضمار يدل على عجزها التام عن مواجهتها، مما يعكس تغييرًا حادًّا في الموقف من السلطة.
وللعلم فإنه حتى الفترة الأخيرة حظيت السلطة بالمديح والثناء من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والخبراء العسكريين في (إسرائيل)، وأكثر ضباط الجيش و"الشاباك"، وذلك على التعاون الأمني الوثيق بين أجهزة الجانبين، والذي كان يتوج عادة بحملات اعتقالات متواصلة لناشطين فلسطينيين في الضفة الغربية؛ لكن الأشهر الأخيرة شهدت إحباط محاولات كثيرة لتنفيذ عمليات داخل "إسرائيل"، وتم إحباطها من قبل الإسرائيليين فقط.
أخيرًا يمكن القول: إنَّ الوضع الأمني في الضفة الغربية نسبي؛ وذلك يحسب لسببين أولهما: أن المخابرات الإسرائيلية على علم بكل ما يحدث فيها، وثانيًا: التعاون الأمني بين الجهات الفلسطينية والإسرائيلية في المنطقة، وعلى الرغم من أنه يسمع من حين لآخر إمكانية نشوب انتفاضة ثالثة، فإن هذا الأمر لا يصب بمصلحة الفلسطينيين الذين يعانون من ظروف اقتصادية سيئة.
المصدر: مركز الزيتونة للدراسات
التعليقات
إرسال تعليقك