ملخص المقال
بعض الناس يعقدون مجالس الضرار وقد نذروا أنفسهم لحرب العمل الإسلامي والنيل من أعراض العلماء وتشويه صورة الدعاة
تتملكني الدهشة، ويستبد بي العجب من صنيع لا يقرُّه الشرع، ولا يقلبه عقل ولا عُرف، ولا ترضى به نفس سوية ولا فطرة نقية، ومع كل هذا يمارسه بل يدمنه ويتفرغ له، ويجتهد فيه فئة قليلة -لا كثرها الله- من الشباب الذين ظاهرهم الالتزام، وسيماؤهم الصلاح، لكنهم نذروا أنفسهم لحرب العمل الإسلامي، والنيل من أعراض العلماء، وتشويه صورة الدعاة، فلا همَّ لهم إلا كل ملتزم عامل. أما المسلمون المقصرون أو المفرطون، أو المعارضون للإسلام منهاجَ حياة فلا اهتمام لنصحهم وإرشادهم، أو لفضحهم وتفنيد دعاواهم.
والأدهى من ذلك أنهم لا وقت لديهم ليعرفوا مكائد اليهود، وجرائم النصارى، وفظائع الهندوس، فضلاً عن أن يبذلوا من وقتهم أو جهدهم شيئًا مذكورًا لصدِّ تلك الهجمات الشرسة، والممارسات الدنسة.
ومجالس هؤلاء يمكن أن يطلق عليها (مجالس الضرار)؛ لأن دورها وأثرها يشبه -مع الفراق- مسجد الضرار الذي بناه أهل النفاق {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} [التوبة: 107]؛ ذلك أن مجالسهم وما تشتمل عليه من غيبة ونميمة، وهتك للحرمات، وتتبع للعثرات، وهجوم على الأشخاص والهيئات، والتنفير من معظم الدروس والمحاضرات لا يكاد يخلو مجلس من مجالسهم من هذه الأمور متفرقة أو مجتمعة، مع عنايتهم الفائقة، وتتبعهم الدقيق، وتأويلهم للأقوال بما لا تحتمله الكلمات، بل واتهامهم للنيات وجزمهم بالمقاصد كأنها شقوا الصدور، واطلعوا على ما في القلوب، مع أن هذا لا يعلمه ولا يقدر عليه إلا الله.
هذه المجالس مجالس ضرار، ولنتأمل النتيجة ما عساها تكون؟
أليس من الثمرات فرقة الصفوف واختلاف القلوب؟ أليس من النتائج إضعاف القوة وذهاب الأخوة؟ أليس من الآثار تمكين الأعداء وتسليط الأدعياء؟ أليس من الإفرازات التنفير من الدعوة، والتشويه للدعاة؟ أليس من المصائب عرقلة العمل للإسلام وإعاقة الجهاد في سبيل الله؟
إنها ثمار مُرَّة، ونتائج تجلب الأسى والحسرة، يضيع معها ما يزعمون من إحقاق الحق،ولم تكن هناك نصيحة مباشرة، ولا دعوة بالحكمة ظاهرة، ولا مشاركة عملية صادقة، ولا إعانة على تقويم الاعوجاج، وتصحيح الأخطاء، وتدارك النقص، وأين إحقاق الحق ولا مكان لأخوة الإيمان، وإحسان الظن، والتماس العذر، وأن يحبَّ المرء لأخيه ما يحب لنفسه؟ أفهذا إحقاق للحق أم إزهاق للحق؟
إن الخطورة تتزايد عندما نبصر واقع المسلمين، فنرى الهجمة الشرسة التي ينظمها الأعداء ضد الإسلام لا في أحكامه وقواعده الكلية بل في فروعه وأحكامه في أدق مجالات الحياة، ونرى الفتك المستمر الذي لم يعد يفرِّق بين مسلم ومسلم، بين عالم وجاهل، بين قاعد وعامل، الكل عندهم سواء {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: 8].
فاليهود في فلسطين، والهندوس في الهند، والبوذيون في بورما، وبقايا الشيوعيين في الجمهوريات الإسلامية.. في كل مكان دماء تسيل، وأرواح تزهق، وعيون تسمل، وبطون تبقر، وبيوت تهدم، وأعراض تنتهك، وأراضٍ تُغتصب، ومع ذلك نأتي هذه المجالس بما فيها من المثالب كطعنة نجلاء وراء الظهر.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضـة *** على النفس من وقع الحسام المهند
وهذا الصنيع له أسباب قد تجتمع كلها أو ينفرد بعضها، ومنها: الجهل الذي يغيب به ما جاء في الكتاب والسُّنَّة من عظم حرمة المسلم في دمه وماله وعرضه. ومنها: عدم الإدراك بالواقع العصيب للأمة المسلمة. ومنها أمراض النفوس كالحسد لكل من وفقه الله وأنعم عليه بعلم غزير، أو لسان فصيح، أو وعظ مؤثر، أو كتابة نافعة، أو غير ذلك. ومنها: الرغبة أو الرهبة التي لا يخفى أثرها.
لقد قال الله تعالى عن مسجد الضرار: {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة: 108]. ولعل عدم شهود هذه المجالس أول أسباب العلاج حتى يشعر أصحابها بقلتهم، ويفكروا ليكتشفوا أخطاءهم. ولهؤلاء علينا حقوق أخوة الإسلام لا ننساها وإن تجاهلتها أفعالهم، بل تدفعنا الأخوة لأداء الواجب نحوهم من محبة ما هم عليه من خير، والإحسان إليهم لانتزاع ما قد يكون في قلوبهم من شحناء أو بغض، والنصح لهم والتماس العذر-ما أمكن- لهم؛ إذ قد يعذر بعضهم بجهل، وآخرون بانتصار للنفس، وقد يكون بعضهم مريضًا بداء العظمة أو الشعور بالنقص، وكل ذلك أمراض تحتاج منا إلى علاج الطبيب الحاذق الرفيق. وأخيرًا ندعو لنا ولهم بالهداية، ونقول: "اللهم اهدِ قومي؛ فإنهم لا يعلمون".
المصدر: موقع إسلاميات.
التعليقات
إرسال تعليقك